أي إسلام نريد؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

أي إسلام نريد؟

أي إسلام نريد؟
 

بسم الله الرحمن الرحيم

العلمانيون يريدونها دولة مدنية كما يقولون، أي قائمة على العقل وليس النقل، الولاء للوطن وليس لله، ويركزون على هذا المفهوم من حيث هو مقياس الانتماء دون أي شيء آخر، ويطالبون بفصل الدين عن الدولة من حيث هو إجراء لا محيد عنه.
وهكذا للأسف كانت العلمانية نتيجة للغزو الاستعماري الذي سلط على ديار المسلمين مدة من الزمن ، وحاول أن يقتلعها من جذورها ، ففرض عليها أنظمة وتشريعات وتقاليد وأفكارا مستوردة دخيلة على هذه الأمة ،فلما حمل الاستعمار عصاه ورحل ترك وراءه من يسير على خطه ويقتفى خطاه، ترك تلاميذ وأفراخا من أبناء العلمانيين ، ومسلمين بالوراثة ، ممن نسميهم (المسلمين الحداثيين) أي الذين ولدوا مسلمين من آباء مسلمين لكنهم أصبحوا غرباء عن دينهم ومتغربين عن أمتهم، حشا الغرب عقولهم بمفاهيمه فآمنوا بذلك وتحولوا إلى أصداء لما يقوله الغرب في الفكر والثقافة واللغة… كل ذلك باسم الحداثة والتحرر وما شابه.
هؤلاء يريدون أن يحيا المسلمون بغير إسلام ، وإذا بقي لهم شيء من هذا الإسلام ، فليكن إسلاما في ضمير الفرد فقط ، لا يزيد عن علاقة شخصية بين الإنسان وربه ، علاقة حدودها المسجد لا تتجاوزه. وحتى المسجد لا تترك فيه الحرية لتقال كلمة الحق، وإنما هو مسجد موجه، وفقيه على منبر موجه، مع مراقبة ذاتية : ينبغي أن يكون تحت رقابة السلطة، فليس إسلاما حرا بل إسلام توجهه السلطة التنفيذية، وتلونه كما تشاء . هؤلاء الذين نشأوا في ظل العهود الاستعمارية ، وتربوا هذه التربية التي تنكر على دعاة الإسلام أن يدعوا إلى الإسلام شاملا متكاملا.
في وقت من الأوقات ، كانوا يهاجمون الإسلام علانية ويقولون : لا نريد أي دين أو تدين ويسمونه رجعية وظلامية ـ كانوا يتبجحون بذلك ـ نريد أن نحذو حذو الغرب شبرا بشبر ، ذراعا بذراع ، وأن نأخذ الحضارة الغربية بخيرها وشرها وحلوها ومرها ، وما يُحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب ….إلخ هكذا كان شعارهم في وقت من الأوقات…
انهزموا الآن أمام التيار الإسلامي الهادر ، أمام هذه الموجة الإسلامية المكتسحة في كل مكان ، أمام الصحوة الإسلامية الغامرة التي يقودها علماء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، في أنحاء العالم كله، لم يعودوا قادرين على أن يقولوا جهارا: نرفض الإسلام. وأخذوا يتسترون بدعاوى زائفة، ماذا يقولون اليوم ؟؟ يقولون أنتم تدعوننا إلى الإسلام ، ولكن ما هذا الإسلام الذي تدعوننا إليه ؟ ، إنها إسلامات كثيرة ـ وهذا أخذوه عن سادتهم المستشرقين والمبشرين، الذين يزعمون أنه ليس هناك إسلام واحد، وإنما إسلامات متنوعة تتعدد بتعدد المكان والزمان وبتعدد المذاهب والمدارس الفقهية.
نقول : إن الإسلام الذي نؤمن به وندعو إليه لا يرتبط ببلد ولا بشخص ولا يرتبط بعهد ولا بجنس ، ولا بمذهب ، إنما هو إسلام قائم على القرآن والسنة.
نحن ندعو إلى إسلام يتجدد فيه الفهم والاجتهاد لمشكلات العصر ، ولا ندعو إلى جمود أو انغلاق ولا عصبية أو مذهبية…
هناك آلاف من الفقهاء والعلماء تركوا لنا ثروة خصبة وغنية من كنوز الفقه، نستطيع أن نغترف منها وننهل ما نشاء لنواجه مستجدات حياتنا وما يعترضنا من تطورات المعاصرة…
إن الشريعة الإسلامية لا تضيق لواقعة من الوقائع، الشريعة الإسلامية حكمت أمما حضارية مختلفة ، انطلقت من جزيرة العرب لتحكم بلدانا شتى كان يحكمها الفرس والروم وغيرهم. حكمت الشريعة الإسلامية هذه الديار كلها فلم تضق بجديد ، كان لها مع كل حادث حديث ، ومع كل مشكلة علاج ، ومع كل معضلة حل ، هذه الشريعة موجودة حتى الآن وستظل دائما موجودة غضة طرية كما أنزلها رب العالمين. والحمد لله
إننا نستطيع أن نحل كل مشكلاتنا المعاصرة في ضوء اجتهاد إسلامي صحيح ، يسترشد بالأصول ، ويستهدي بتراث السابقين ، ويلتزم بالقرآن وصحيح السنة ، ولكنه أيضا ينظر إلى العصر وتياراته ومشكلاته بالعين المجتهدة والمتجددة. .
وفي عصرنا الآن محاولات أخرى للانتقاص من الإسلام . أصحاب هذه المحاولات يريدون أن يخرجوا من الإسلام ما هو من محكمه وليس فقط ما هو من المتشابه أو من المظنون الدلالة. فهناك من يريد الإسلام عقيدة بلا عبادة. أو يريده عبادة بلا أخلاق، أو أخلاقا بلا تعبد… ويقولون : حسبك أن تكون رجلا صادقا تتعامل مع الناس بالعدل وبالصدق وبالحسنى…، وليس مهما أن تصلي أو تصوم ، نظف قلبك ويكفيك هذا، إنهم أشبه ما يكون بعاهرة تعطينا دروسا في العفاف والعفة…
فمن هنا أقول : الإسلام الذي ندعو إليه هو إسلام كامل ومتكامل، نأخذه كما هو بلا زيادة ولا نقصان. عقيدة وعبادات وأخلاقا وقيما وشرائع وشعائر وأحكاما ومعاملات… وهو كل لا يتجزأ، هذا ما ينبغي أن يعرفه العلمانيون، وأعداء هذا الدين الذي لا يعاديه إلا جاهل مماحك…
ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالعرب ؟ العرب الذين فسدت عقولهم فعبدوا الحجارة وغيرها، وفسدت قلوبهم فوأدوا البنات وقتلوا أولادهم من إملاق أو خشية إملاق، فماذا يبقي من الإنسان إذا فسد عقله وفسد قلبه ؟ النبي صلى الله عليه وسلم بنى هذا الإنسان من جديد بعقيدة التوحيد ، صنع من عرب الجاهلية عرب الإسلام ، ومن عرب الخمر والميسر والزنا والربا والفحشاء والبغي… صنع منهم عرب البطولات والإيمان والأخلاق والفضائل…
نحن نشكو الآن من التخلف ، نحن في ذيل الشعوب والأمم، يسموننا العالم الثالث ، أو العالم النامي ـ والبلاد النامية كلمة ملطفة للبلاد المتخلفة ـ وبيننا وبين الآخرين مسافات ومسافات ، وهذه المسافات لا تضيق الآن بل تتسع ، كيف نستطيع أن نعوض ما فاتنا أو نلحق بالقوم ؟؟ فضلا عن أن نسبقهم ؟ هذا لا يصنعه إلا إيمان عميق يفجر الطاقات المكنونة ، وينشئنا نشأة أخرى.
إنه الإيمان الذي صنع العرب من قبل على عينه، الإيمان الذي نقل سحرة فرعون من مجرد هواة يلعبون بالحبال والعصي أو محترفين في السحر الذي لا يفلح صاحبه… إلى أناس يتحدون فرعون المتأله الجبار ويقولون له في إيمان منقطع النظير: { فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } ، الإيمان هو صانع العجائب، هو مصنع الرجال ومعمل الأبطال…
نحن ندعو إلى إسلام واضح الحدود، بين الأصول، سامق الذرى، ثابت الجذور، وهو وحده القادر على أن ينقذ هذه الأمة مما تتخبط فيه من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وخلقية… وعلى كل صعيد ومستوى… والله ولي التوفيق والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما…

سعيد ياسيني


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.