تاريخ تطوان : رد المغرب على بيان إسبانيا - بريس تطوان - أخبار تطوان

تاريخ تطوان : رد المغرب على بيان إسبانيا

 

*تاريخ تطوان

رد المغرب على بيان إسبانيا:

وفي نفس الوقت قامت الحكومة المغربية بتوجيه الوثيقة الآتية إلى القنصل الإنجليزي بطنجة دروموند هاي، تطلب منه أن يبعث بصور منها إلى البلاطات الأجنبية:

“لنا الشرف أن نعلم حضرتكم بأن قد وصلت إلى يدنا نسخة مطبوعة من رسالة وجهها الوزير الإسباني إلى سائر الممثلين الأجانب المقيمين بالبلاط الإسباني تتعلق بذكر الشؤون الطارئة بيننا وبين الحكومة الإسبانية قبل إعلان الحرب، كما تتعرض لمسألة الريف، مع أننا لم ننشر الرسالة التي وجهناها إلى الممثلين الأجانب المقيمين في هذه المملكة، ولهذا فإننا نوجه هذه الرسالة لنخبركم بحقيقة الأمر في سائر ما يتصل بهذا الموضوع، ونتوسل إليكم في أن تبلغوها إلى حكومتكم التي نطلب منها بدورها أن تبلغها سائر الحكومات الأخرى حيث اننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بأنفسنا، نظرا لأن المملكة ليس لها ممثل أجنبي سواكم.

إن السبب الذي من أجله لم نتعرض لقضية الريف في الرسالة المؤرخة بـ 27 ربيع الأول(1) هو أننا في شهر غشت الأخير، كنا قد سوينا مع الممثل الإسباني سائر النزاعات الخاصة بهذا الشأن، وتوصلنا إلى إمضاء معاهدة صلح، وكانت دهشتنا شديدة عندما أكد الوزير الإسباني أن السبب الرئيسي للحرب، هو ما يتعلق بقضية الريف، وليس من داع لأن نتكلم عن قضية قد فرغ منها، غير أننا رأينا الوزير الإسباني يثيرها ويذكر أن سائر الدول قد تضرروا مما يرتكبه أهل الريف من العيث، فلذلك شرحناها ببساطة وصدق.

إنكم تعلمون أنه من لدن ما قبل اليوم بأربعة أعوام، كان الريفيون القاطنون بقلعية – رأس الثلاث مداوي – يشتغلون بالقرصنة ولصوصية البحر، وقد اعتدوا بقواربهم على أكثر من ثلاثين سفينة، ومن لدن أربعة أعوام لم يطرق سمعنا أن قد وقع الاعتداء على أية سفينة من السفن، سواء من جانب أهل الريف أو من قوم آخرين من رعايا المملكة، وقد كان مولانا عبد الرحمن يبذل جهده في أن ينكف هذا العدوان، وحيث أن هؤلاء القوم يسكنون بلادا وعرة، يكاد لا يتجاوزها الخريت الماهر، فإنهم كانوا يتصاممون عن سماع أوامر الأمير ويعصونها، وكانوا كلما ارتكبوا نوعا من التلصص وأرادت الدولة التي تتبعها السفينة المعتدى عليها أن تقتص لنفسها، فإنه لم يكن يمنعها من ذلك مانع، وأنت تعلم أنه من لدن أربعة أعوام مضت، عمد ريف بني شيكر فألقوا القبض على باخرة إنجليزية، وأخرى فرنسية، وعلى سفينة شراعية إسبانية، فاتخذ السلطان من الإجراءات على يد المرابط سيدي محمد الحاج ما كانت نتيجته أن ركاب هذه السفن أطلق سراحهم وعادوا إلى بلادهم، ثم قامت الحكومتان الإنجليزية والفرنسية تطالبان بخسائر الباخرتين، وقد اقترحت الحكومة الإنجليزية عدة مرات على السلطان، أن يفعل ما فيه صلاح مملكته، وذلك بأن  يوجه جيشا  لتأديب أهل قلعية، فقبل السلطان هذه النصائح، ووجه جيشين متتابعين قاما بعقاب المعتدين عقابا صارما، وأجبر القوم على إرجاع ما تحت يديهم مما اغتصبوه، وعلى تأدية ما فرضته الحكومتان الإنجليزية والفرنسية قيمة لسفينتيهما، وأصدر السلطان أمره إلى رؤساء سواحل الريف، بأنهم هم الذين سوف يكونون المسؤولين عما عسى أن يصدر عن أتباعهم من الأعمال العدوانية ، وهم الذين سيتحملون عبء قبائلهم، ومن لدن ذلك الحين لم تعد الأسماع يطرقها شيء من هذا القبيل.

والحكومة الإسبانية تعلم حق العلم أن القرصنة قد انقرضت، ولكنها تحاول أن توهم الدول الأخرى أن القرصنة ما تزال قائمة ببلاد الريف، وهي بذلك تريد أن تبرر موقفها، وتحمل الدول على تحبيذ عملها الذي يرمي إلى أمن السبل البحرية.

وإذا كانت هذه القرصنة موجودة حقيقة، فلماذا لم تتخذ إسبانيا من الإجراءات في الوقت المناسب ما يكفها، وإنك لتعلم أن الإسبانيين بما لهم من المراكز على شواطئ الريف، وبما لهم من حراسة الشواطئ، هم يحولون بين أهل الريف والسفر سفرا مشروعا إلى طنجة وتطوان، وقد أخذوا منهم زوارقهم وهم في حالة سلم معنا، ووصل الأمر بالحاكم الإسباني في المراكز الإسبانية الساحلية، أن كتب إلينا – في رسالة لا تزال محفوظة لدينا – أن أهل الريف لم يقوموا بأي عمل من أعمال الاعتداء ضد المراكز الإسبانية، غير أن الإسبانيين حجزوا بضائع أهل الريف، وهي شيء كثير بلغت قيمته 2.000 لبرة، ثم لم يرجعوا من ذلك شيئا إلى يومنا هذا، كما قبضوا أيضا على النوتية والركاب ولم يطلقوا سراحهم إلا بعد أن قضوا عدة شهور في الأسر، وعلاوة على ذلك، فإنهم ألقوا القبض على سفينة للمرابط سيدي محمد الحاج وهو شخص كثيرا ما سعى في مصلحة الإسبانيين نفسهم، وبسعيه تحررت طائفة منهم من أيدي القراصنة، هذا ورائس سفينته يحمل جوازا من الحكومة الإسبانية تأذنه فيه باستخدام سفينته، ورغم هذا كله فإنه قد أجبر على تسليم سفينته ومن على ظهرها من النوتية، وظل الأمر على ذلك حتى تدخلت الحكومة الإنجليزية في المسألة.

ولا نريد أن نواصل ذكر الأعمال الظالمة التي كنا نروح ضحيتها، ولا ننكر قبح وتمرد هؤلاء القوم من الريف، غير أن الذي يهيجهم حتى يصيبوا الدول الأخرى بسوء عملهم، إنما هو تكرار الأعمال العدوانية التي ينزلها الإسبانيون بهم.

وعندما قامت الحكومة الإسبانية تطالب بألفي لبرة تعويضا عن الزورق الذي انتهبه أهل الريف عندما غرق على مقربة من مليلية، لم نمانع في تنفيذ مطلبهم، حيث ان المعاهدة المبرمة تنص على أن حكومتنا لا تسأل عما يرتكبه متمردو الريف الذين لا يخضعون للسلطان، وإذا أحب الإسبانيون أن يعاقبوا المعتدين عليهم(2) فإن عملهم ذلك لا يمس في شيء العلاقات الودية الحسنة القائمة بين الدولتين، وللإسبانيين مع أهل الريف بعض النزاعات، ومع ذلك فإننا لم ننبس ببنت شفة، ولم ننطق بحرف عندما ألقت حراسة الشواطئ القبض على الزوارق الريفية، ولذلك فإننا لم نفهم موجب الإلحاف على مولانا السلطان في تسديد الخسائر، في حين أن الحراسة أخذت حق نفسها بيدها.

وعندما امتنعت الحكومة المغربية من إجابة طلب تسديد ألفي لبرة تعويضا عن الزورق المنهوب، فإنها كانت في ذلك على حق، لكنكم – باسم حكومتكم – طلبتم منا عدة مرات، أن نسلك المسلك الجميل، ونعتبر المسألة ذات صبغة خاصة، وأن نؤدي الألفي لبرة اتقاء لقضايا ومنازعات. لقد قبلنا وأدينا – وهذا أحد الدلائل على أن أمنيتنا هي أن نكون في مودة مع الإسبانيين – وبناء على طلبكم أيضا عمدنا فأقمنا خطا جديدا لمليلية.

وأنتم تعلمون جيدا، الطريقة التي يعاملنا بها الممثل  الإسباني  السنيور – بلانكو ديل فايي. واللهجة الكلامية التي سلكها معنا في عدة مناسبات، ورغم أن ذلك  يحز في أفئدتنا، فإننا أضربنا عنه صفحا، وطوينا دونه كشحا، وأغضينا عن عثرات لسانه، حرصا منا على الاحتفاظ بالانسجام بيننا وبين الحكومة الإسبانية – جارتنا – إذ في هذا الانسجام خير كثير للدولتين كلتيهما، ولهذا فإننا نظن أن الحكومة الإسبانية لم تبلغها الأنباء الحقيقية كما هي عليه، وأنها واهمة منجرة إلى وهمها بسبب لهجة نائبها، حيث فهمت منه أشياء لا وجود لها، ولذلك فإن العهدة تقع على عاتق الشخص الذي كان سببا في إشهار هذه الحرب التي لم يكن أقل موجب لإعلانها.

إن هذه المملكة عما قريب ستمتن علاقاتها التجارية مع الدول الأخرى، وإذا كان الوزير الإسباني يريد أن يجعل الريف هم سبب الحرب، فلماذا لم توجه الحكومة الإسبانية جيوشها لشواطئ بلاد الريف، وأي حامل لها على أن تتخذ إجراءات هجومية ضد مراسينا.

أما ما يتعلق بمسألة سبتة، فإن العالم أجمع يعرف أن لا وجود للقرصنة في سائر أنحاء المملكة ما عدا ما يتصل من ذلك بسواحل بلاد الريف، ومعلوم كذلك أيضا أنه من لدن أكثر من عشرين سنة مضت لم يخرج مركب حربي واحد من مراسي المملكة يحمل الراية المغربية، وأن السفينتين الاثنتين أو الثلاثة سفن التجارية التي تحمل هذه الراية، يكون فوق ظهرها ركاب أوربيون.

وأما ما يتعلق بما ذكره الوزير الإسباني في رسالته المؤرخة بـ 29 أكتوبر في شأن خلاف سبتة، فإننا نرجع في ذلك إلى المكاتبات التي وجهنا نسخا منها للممثلين الأجانب، وكل من كان له أدنى مسكة من الميز وقرأ هذه الكتب، يدرك أننا عوملنا معاملة غير عادلة.

والمطلوب منكم أن تشهدوا أنتم بكل هذا، فإنكم تعلمون أنه طالما منحنا بواسطتكم مطالب جديدة قدمتها الحكومة الإسبانية، وأنتم تعلمون أننا كنا دائما مثال الاستقامة والنزاهة في كل ما التزمنا به في المخابرات والمراسلات، بيد أن الممثل الإسباني – كما تعلمون – سلك في كل تصريحاته وتعهداته إلينا وإليكم، مسلك التطفيف والاختلاس عندما تبدو بادرة صعوبة أو أزمة، فإنه إذ ذاك قلما يبالي بالحقيقة وبالإنصاف، وأنتم تعلمون كم قاسينا في هذه المسألة حتى تمكن من مبتغياته ثم حافظنا على سائر الالتزامات.

وإذا كانت الحكومة الإسبانية تحاول أن تنكر ما ذكرناه في شأن الريف، فإننا على استعداد لبعث نسخ من المراسلات من أولها إلى آخرها، المثبتة لما ذكرناه إلى سائر أنحاء العالم.

وفي الختام لنا عظيم الشرف بأن نبلغكم اهتمامنا بطبع هذه الرسالة ونشرها عن طريق أصدقائنا بإنجلترا وغيرها من جهات أوربا لكي يعلم العالم أجمع هذه القضية، ويحكم بالحق وإلى أي جانب هو.

 
الإمضاء: محمد الخطيب

————————

(1)- الموافق لـ 25 أكتوبر.

(2)- إلى هذا الحد وصل بالمغرب سوء الإدارة، أي أن تسمح دولة لدولة أخرى بمعاقبة رعاياها في بلادها، ولولا حرص إنجلترا على استقلال المغرب لضاع من لدن زمان. ت.و.
 
 
 
————————

           نقلا عن مقالات في كلمات عدد 78 للأستاذ محمد الشودري / تاريخ تطوان “للفقيه العلامة المرحوم محمد داود – تطوان”1384- 1964

                    القسم الأول من المجلد الرابع (من: ص 97 إلى 101)

 
*ملاحظة : (تاريخ الرسالتين كان سنة 1276هـ/1859م).
 
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.