"بالينسيانا د السدراوي"… تطوان ومليلية في الزمن الجميل (الحلقة 4) - بريس تطوان - أخبار تطوان

“بالينسيانا د السدراوي”… تطوان ومليلية في الزمن الجميل (الحلقة 4)

بريس تطوان 

السقوط الحر

مع نهاية حقبة السبعينات حين بدأت الأرحام تدفع بدون حسيب و لارقيب، ازدادت كثافة سكان المغرب بشكل مهول وغير مخطط له، فزحفت جموع كبيرة من الفقراء والجياع نازحين من المدن الداخلية زرافات ووحدانا، هربا من والفقر وقلة الحيلة ، ليمارسوا التهريب العشوائي، بشكل فاضح وهمجي، قرب أبواب مدينة مليلية الجميلة ،حينها بدأ العصر الذهبي لحافلة “السدراوي” الأسطورية في الأفول.

وهكذا تحول التهريب المحدود والصغير الحجم، إلى أخطبوط وسرطان خطير، بالموازاة مع ذلك كثرت المضايقات من طرف أعوان الجمارك والدرك بجميع السدود الأمنية بطريق الريف، خاصة بالحسيمة ومركز “ضرضارة” قرب مدينة الشاون.

وأمام تفاقم هذه الوضعية الفوضوية، الحاطة بالكرامة البشرية، فضل معظم السائقين المحترمين، العاملين بشركة “السدراوي” أن ينسحبوا من هذا المشهد الموبوء، بكل بهدوء .

وتقول الحكاية الشمالية أن أنفة وعزة نفس سائقي حافلات “السدراوي” في الزمن الجميل، لم تسمح لهم أن يعيشوا مع الطحالب، بعد أن تسلط “أولا د السوق” على المهنة، وظهرت بعض شركات النقل الرخيصة ،التي وظفت أصحاب السوابق ،بدون ضمان اجتماعي، وعقود عمل قانونية حيث اختلط الحابل بالنابل ،وعمت الفوضى، واستوطن الفساد ،وحل الخراب العظيم ،بطريق الريف الرابطة بين مليلية وتطوان .

وفي خضم هذا الوضع المتردي فضل لفيف من السائقين ، الاستقرار بمدينة مليلية لمزاولة مهنة ميكانيك محركات الحافلات والشاحنات ، ومنهم من عبر البحر الأبيض المتوسط وغادر صوب اسبانيا ،وبعضهم اتجه شمالا نحو بلاد الأراضي المنخفضة .

وهنا أقف وقفة تأمل وأقول “يا لها من غرابة الصدف”، فذهاب هؤلاء السائقين العظام إلى هولندا كان غريبا بعض الشيء، وكأن القدر كان يناديهم للالتحاق بالبلد الذي كان يصنع أفضل المحركات ،وهي محركات حافلات “داف”، حيث كان سائقو حافلات جبال الريف يعشقون محركات “داف ” ويفضلونها على محركات “بيرلي” الفرنسية ،لأنهم كانوا أدرى بصنف المحركات الذي يستطيع تحمل طريق جبال الريف الوعرة .

وهكذا وبعد أن انسحب سائقو حافلة “السدراوي” المحترمون، المشهود لهم بالأخلاق العالية وروح المسؤولية ،من مشهد النقل الطرقي عبر سلسلة جبال الريف ،وبعد أن ضرب “تسونامي” الفوضى وصناعة القبح والبشاعة معبر مليلية ، واستفحل التهريب والجريمة وجميع الأفعال المشينة ، أصدر الأمن الاسباني قرارا يقضي بمنع حافلة “السدراوي “من دخول مليلية إلى الأبد، شأنها شأن باقي الحافلات المغربية العشوائية، التي ازدهرت في زمن العشوائيات .

وهكذا تنتهي بكل مرارة واسى حكاية حافلة “السدراوي” الرائعة الرابطة بين مدينة تطوان الحمامة البيضاء ، ومدينة مليلية جوهرة خلجان الشرق في الزمن الجميل .

إهداء خاص

هذا النص هو إهداء لروح المرحوم “عبد القادر السدراوي” وللسائقين العظام ومساعديهم المعروفين ب”أدجودانتيس”، الذين كانوا يعملون بخط الحافلات العابرة لسلسلة جبال الريف في الزمن الجميل.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.