لغـــات أهــل الأرض - بريس تطوان - أخبار تطوان

لغـــات أهــل الأرض

لغـــات أهــل الأرض

اللغات أصلا أصوات، وليست كلمات.

إن الكلمة صوت يرمز إلى معنى، وكتابة الكلمة رسم يرمز إلى هذا الصوت، والصوت هو الأصل.

والصوت يصنعه الهواء، يخرج من رئة الإنسان، وتقوم الحنجرة، ويقوم اللسان، ويقوم الفم وحتى الأنف، بإعطائه شكلا خاصا، هو الكلمة المسموعة.

وإذن، فالكلمات أشكال آلاف، لأصوات آلاف، هي الكلمة.

واللغة يتعلمها الطفل من وقت أن يستطيع أن يقول “با” ويقول “ما”. وهو يتعلمها بالتقليد. ولولا الأب والأم. ولولا الخال والعم، وسائر الناس، لنشأ الطفل أخرس، لا يعرف ما الكلام.

واللغة لا دخل لها بالعرق. فالصيني لو نشأ طفلا في ألمانيا مثلا، لنشأ ينطق الألمانية كما ينطقها الألماني. وكذا الألماني إذا نشأ في الصين. أعني أن اللغة شيء مصنوع. ويبقى الوجه موروثا غير مصنوع.

ونتحدث عن الحيوانات والنباتات، فنذكر منها الذي انقرض، ونذكر منها الذي لا يزال بيننا يجري الحياة على سطح الأرض، في وديانها وجبالها، وسهلها والحـَزّن، يشب وينمو، ويمارس العيش.

والذي انقرض من الأحياء يترك بقايا من عظام، وغير عظام، في حفائر الأرض.

واللغات كذلك منها الحي، ومنها الذي انقرض.

والذي انقرض من اللغات انقرض مع أقوامه. وهو ما انقرض إلا لانقراض أقوامه.

والذي انقرض من اللغات لا نجد له على الأكثر أثرا، لأنه انقرض قبل أن يكون للأصوات، أي لألفاظ الكلام، تسجيل، هي الكتابة. إن اللغات التي انقرضت، ذهبت، ولم تخلف رفاتا أو عظاما.

وعدد لغات العالم شيء كثير، عدُّوها فكانت ألوفا. والعدد يتوقف على ما نقضي عليه منها بأنه لغة مستقلة، وما نقضي بأنه إنما هو لهجة من لغة حية، وما أكثر اللهجات.

فإذا نحن قلنا أن عدد اللغات اليوم، مع ملاحظة هذا الإعتبار، تتراوح بين 3000 و 4000 لغة، لم نعد الصواب كثيرا.

وكل باحث بطلب المعرفة، يهدف دائما إلى التصنيف والتبويب، المبني على التحليل، ووضع المتشابهات، كلا في خانة.

وقد صنعوا ذلك في اللغات، فوجدوا أن بينها أشباها، استطاعوا بناء عليها أن يصنفوها ثلاثة أصناف (3)، على قدر الإمكان.

وهي صنوف ليست متميزة، بعضها عن بعض كل التميز، ولا متفاصلة كل التفاصل.

وهي لغات فيها الكلمة الواحدة غير متغيرة، لا تشتق منها كلمات. إنها اسم، وفعل، وصفة، وظرف في آن واحد. وأكثر هذه اللغات كلماتها ذات مقطع واحد، وأكثرها عندها للكلمة الواحدة أكثر من صوت واحد، تنطقها نغمة عالية، أو تنطقها نغمة منخفضة، أو تنطقها متطاولة، أو تنطقها متقاصرة. ولكل من هذه الأنغام للكلمة الواحدة معنى بذاته.

وتتعدد الأنغام وتختلف. فاللغة الصينية الكنتونية بها ست نغمات، وكذا السيامية. أما لغة برما فلها نغمتان.

ومن اللغات العازلة Isolating اللغات الصينية التبتية.

ومن اللغات العازلة كثير من لغات إفريقيا، وهي تبلغ ما بين 500 إلى 700 لغة.

ومن اللغات الهندية الأوربية، وهي غير عازلة، لغات مالت إلى هذا المزاج العازل بعض الشيء، لاسيما الإنجليزية. مثال ذلك لفظ Light. إنه اسم، وفعل، وصفة: النور، أو ينير، أو منير. ويفرق بين المعاني الثلاث موضع اللفظ من الجملة، أي السياق.

واللغات اللاصقة: وهي التي تؤلف الكلمات فيها باللصق، فيتغير معناها ويتبدل.

واللصق يكون بإضافة مقطعين، بعضا إلى بعض، فتكون كلمة لها معنى جديد. أو قد تصنع الكلمة من أكثر من مقطعين.

وهذا الصنف اللاصق Agglutinative من اللغات هو أكثر الصنوف الثلاثة في اللغات عددا. وهو يتضمن اللغة السومرية القديمة، ولغة أورال والقوقاز، واللغات الدرافيدية، واليابانية والكورية، ولغات المحيط الهادي، واللغات الإفريقية، واللغات الوطنية لمواطني أمريكا الأصليين.

واللغات المتصرفة: وهي اللغات التي تدخل كلماتها التصريف، فالكلمة يتغير بناؤها، فتدل على معنى جديد : كـَتـَب، يكتب، كاتب، مكتوب، كِتاب، كـُتب، وما إلى ذلك.

ويدخل في هذا الصنف اللغات الهندية الأوربية، وكذا اللغات السامية ومنها اللغات العربية، وكذا الحامية.

ويلاحظ أن بعضا من هذه اللغات المتصرفة Inflectional ما يضيف إلى الكلمة مقطعا تصدر به الكلمة فيتغير معناها Prefixأي سابقة، أو مقطعا تـُذيـّل به الكلمة فيتغير معناها Suffix، أي لاحقة أو كاسحة.

وهذا من صفة اللغات اللاصقة (لا المتصرفة). ومعنى هذا أن اللغات قد لا تكون لاصقة خالصة أو متصرفة خالصة.

ومثال اللغات المتصرفة التي مالت إلى اللصق اللغة الإنجليزية. فنقول Hope ومعناها الرجاء، ونقول Hopeful ومعناها مليء بالرجاء، ونقول Hopeless ومعناها لا رجاء فيه. ونقول Sense ومعناها “معنى”. ونقول Nonsense  ومعناها “لا معنى له”. وهلم جرا.

سؤال: هل نشأت لغات الأرض من أصل واحد، أم هي أصول متعددة ؟

هذه بحوث صعبة لم تعالج بجد إلا في القرن التاسع عشر. وهي بحوث انتهت إلى علم نشأ يعرف الآن بعلم اللغات المقارن Comparative Philology، ينظر فيه العلماء عما بين اللغات من أشباه. ويصنفونها أصنافا عامة. ثم يفرعونها فروعا شتى.

والكثير من نتائج هذا العلم فيه الكثير من الشك، والكثير من اليقين.

على كل حال، قد أرفقنا بهذه الكلمة “شجرة اللغات” وهي تعطي فكرة عامة عن عائلات لغات الأرض المختلفة. وما تفرع منها، والفرع الواحد يحمل لغات متشابهات.
 

  إن جذورا نشأت منها هذه اللغات طواها التاريخ، وهي اليوم ترقد في أعماقه، يعجز الإنسان عن استشفافها. إنه كاستشفاف الغيب. وليس للإنسان إلا الحاضر من هذه اللغات. وهذه اللغات الحاضرة إنما هي أنسال تلك اللغات البعيدة الغابرة. والولد كثيرا ما يحمل من أجداده سمات تدل عليهم، مهما طال الزمان.

والله الموفق

30/11/2013

محمد الشودري
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.