خواطر سجينة - بريس تطوان - أخبار تطوان

خواطر سجينة

خواطر سجينة
 
 
تتقاذفنا أمواج الحياة من السفح إلى القمة ومنها إلى الأسفل، لا القعر يعجبنا، ولا القمة تفرحنا، أين هي السعادة الضائعة، أين هي الحياة السعيدة،هل تكمن في القمم، أم بالسفوح، الغريب لا نجدها أينما كنا، أحيانا كل الشعور، تتداخل، الغضب، الحزن، المرارة، القسوة، والخوف من المستقبل المجهول، كل هذه المشاعر تصارع أدهاننا، وتقتل أحلامنا، كل شيء لا يفرحنا حتى نبضات قلوبنا…
لكن هنا بين القضبان وتحت دهاليز الحياة، تتجلى لنا سعادتنا، التي نبحث عنها، ولا نبالي بوجودها !  وهي سعادة الحرية، سعادة النظر إلى الأفق، سعادة اخذ قراراتك كيفما كانت، المهم انك حر فيها. هنا بين جدران السجون تتجلى لك مدى نظرات غريبة وتساؤلات قلوب حائرة، وتقترب منك أنفاس تحاول استنشاق رائحة الحرية ! في ملابسك، في نظراتك، في آهاتك !
تقول في الداخل الحمد لله على كل حال، كل ما تعانيه من التعاسة ، الجروح، والآهات كل شيء حزين، ينصهر بين أصوار السجن ،لتبقى انك تتمتع بالحرية، التي ترى قيمتها بين السجناء..
طيلة مدة العمل بالسجن تشعر باشتياقك للحرية، وساعة دق جرس الخروج منه، لتعانق الحرية من جديد ! حقا تحس بتلك الدقائق والثواني التي تتجول فيها بين الشوارع وفي الأزقة، وأنت حر ! بين الناس، حتى الشمس حينما تلامس جسدك تحس بإحساس يضغضغ جسمك، الذي تأكله الرطوبة أثناء عملك، وقدميك اللتان لا تحس بهما، بسبب البرودة الشديدة هنا، حتى بيت الراحة أنت مسجون عنه إلا في ساعات محدودة ! هذا شعورك كأستاذ، فما بلك السجين، والمظلوم منهم، قصص تختلف، وروايات تقشعر لها الجلود، بين مظلوم ومحروم، ومجرم ! ..
يقشعر جلدك بإنسانيتك حينما تنصت لمظلوم بالسجن، وتقشعر أيضا حينما تجدك بين مجرمين كبار من النوع الثقيل، قتل، اغتصاب، وأباطرة المخدرات والاختطافات الجسدية ! أحيانا تسمع أذنك نبرات التهديد، وهمسات الانتقام ! لأن نفسك سولت لك أن تطبق قانون السجن ! فستنال حجارة من الشتم والسب الغير المباشر، وستستوعب انه هناك بالخارج من ينتظرك للانتقام منك لسجين بالداخل، فقط لأنك قلت بأدب لا تدخن !!!!!
ناهيك عن الكوابيس التي نسجت في أحلامنا بيوتا عنترية ! كالقتل، الاغتصاب، السرقة… حيث أصبحت أحلامنا تلزمنا بالتعايش في عالم الإجرام !  ضننت أني  الوحيد الذي أشعر بهذه الكوابيس، لكنني فوجئت باني الأقوى بينهم !   فقد كان سؤالي المباشر لزملائي كافيا ليتلفظ كل منهم بطرقة السخرية: نعم، لكنها الحقيقة المعاشة،ناهيك عن الموظفون الذين لا يمكنك العمل بهدوء معهم، إلا بتغاضيك عن أشياء كثيرة، وإلا ستلقى مضايقات غير مباشرة، كإدماج سجين لا تتقبله حتى القمامات برائحة جسمه الخبيثة، ورائحة فمه التي تخنقك خنقا، وقواميس الكلمات الساقطة التي دونت بكتاب جنيس !!، وناهيك عن الأمراض التي تتجلى في الجلد والزكام، و قرب المستشفى من مركز التكوين يبث فيك الرعب الكبير وهاجس المرض الذي يمكن أن تسقط فيه، في أي وقت، كالسل،وغيره، لانتقال السجناء بدون أدنا إجراءات الاحتياط، من القسم إلى المستشفى، هنا فقط وبين أصوار السجن، تعلمت الحمد والشكر لله على كل الأحوال !!

همس الوجدان
 

 

 


شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.