بــسم الله الرحمن الرحــــيم
عظمة الخالق تتجلى في جسم الإنسان(3)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رحلتنا الثالثة إن شاء الله في جسم الإنسان ستكون مع عضو من أخطر الأعضاء٬ وجهاز من أدق الأجهزة لا غنى للإنسان عنه ٬ قد يكون سوطا لاذعا أو وردة ناعمة٬ قد يكون أداة تخريب أو وسيلة تعمير٬ قد يكون سيفا قاطعا أو بلسما شافيا٬ قد يوردك المهالك أو يرفعك أعلى الدرجات ٬ قد يكون سببا في شقائك في الدنيا وهلاكك في الآخرة ٬ أو سببا في سعادتك في الدنيا ونجاتك في الآخرة.لا معنى للحياة بدونه٬ ولا طعم لها إلا بواسطته . ٳنــــــه:
٭ اللـــــســان ٭
اللسان نعمة من نعم الله الكبرى ٬ ومعجزة من معجزاته العظمى ٬ قال تعالى : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ }( البلد :8-9-10).
فاللسان يتكلم ويحس ويمضع ويلمس وينظف ويتذوق الأطعمة المختلفة مهما اختلف نوعها وعددها.
واللسان من أهم وسائل التواصل، ونقل المعلومات وتبادلها بين أبناء البشر في الجيل الواحد.
هذه الوسيلة الهامة حققت للإنسان التقدم والازدهار في مجال العلم والمعرفة. إن التحدث معجزة خارقة ذلك لأن الطفل لم يكن يعرف أي شيء عن الكلام قبل أن يبدأ بالتكلم: قال تعالى:{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل :78].
هل تساءلت يوما أيها الإنسان كيف استطعت وأنت طفل في الثالثة من عمرك أن تتحدث بكلمات مناسبة لقواعد اللغة ٬ وبجمل منسقة تؤدي المعنى المطلوب ٬ وكل ذلك بعفوية بالغة ودون أن تشعر؟ وهل تساءلت لماذا لا تختلط اللغات التي تعرفها بعضها ببعض وأنت تتكلم؟.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى للسان عضلات تحركه إلى كافة الاتجاهات٬ وينتج عن كل حركة حرفاً معينا، فيستطيع الإنسان عند ذلك أن ينطق بفصاحة٬ وبعفوية بالغة٬ وسهولة تامة٬ ودون أن يخلط بين اللغات . فما أعظم خلقك وأحكم صنعك يا لله‼
(أجرى أحد علماء الدماغ وهو توماس مونتي “Thomas Munte” بالتعاون مع رفاقه٬ عددا من التجارب في بعض نقاط الدماغ عند النطق فكانت النتائج أن الدماغ يقوم بتخزين مفردات كل لغة من اللغات التي ينطقها الإنسان في قسم مستقل من أقسام الدماغ وذلك حتى لا تختلط ألفاظ اللغتين أثناء النطق. وهذا يعني أننا عندما نتحدث بلغة ما تبقى اللغة الأخرى مضغوطة لسبب غير معروف حتى الآن، وبالتالي تمنع الاختلاط والتمازج)[ النطق آية ربانية/ د. هارون يحيى] بتصرف . قال تعالى: {ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ} [الرحمن :1-2] )
الوظيفة الثانية للسان لا تقل أهمية عن الأولى ٬ بحيث لو وقع فيها خلل لفقدنا لذة الطعوم ٬ ولتنغصت حالتنا٬ وضاقت نفوسنا. تخيل أيها الإنسان أنك قمت ذات صباح وقد أصبت بزكام حاد أو جفاف الفم٬ ثم جلست على مائدة الفطور٬ وعندما شرعت في تناول فطورك أحسست بأنك لا تتذوق شيئا ٬ لقد تعطل عمل اللسان مؤقتا ٬ وتعطلت فيه حاسة الذوق٬ ولم يعد يتذوق الحلاوة برأسه٬ ولا الحموضة على جانبيه ولا المرارة في مؤخرته٬ ولا الملوحة على كامل سطحه ولا سيما في مقدمته .
ٳن الله عز وجل جعل على اللسان خلايا خاصة، تنتشر على شكل نتوءات يمكن للإنسان من خلالها أن يتذوق الطعام.( فسطح اللسان يحتوي على ثلاثة أنواع من نتوءات الذوق، وكل نتوء يحتوي على براعم الذوق ٬ وهذه النتوآت الذوقية عجيبة ومدهشة في تركيبها ، فهي ُتكوّن في اللسان ما يشبه الكهوف الصغيرة العديدة حيث تكون فتحة البرعم الذوقي صغيرة وتتمادى مع سطح اللسان وفي داخل البرعم ترقد الخلايا الذوقية وهي ترسل أهدابها التي تتحسس الذوق ويدخل العصب الذي ينتشر بأليافه من قاعدة هذه الكهف الذوقي وفي داخل هذا الكهف نرى الخلايا الحسية والخلايا التي تسندها والخلايا التي تحيط بالبرعم الذوقي ٬ وتتوزع البراعم الذوقية في الحليمات اللسانية . يقال ٳن الأشخاص البالغين لديهم ما بين 7500 و 12000 برعم ذوق تقريباً. ويحتوي لسان الإنسان على ميكانيكية لاكتشاف الأذواق الأساسية أي الحلاوة والحموضة والملوحة والمرارة وأومامي ـ الطعم اللذيذ ـ وترسل معلومات عن الطعم إلى أعصاب الذوق. ولما كانت أعضاء الحواس متصلة بالدماغ فإن براعم التذوق الموجودة على سطح اللسان متصلة أيضاً بالقشرة السحائية للدماغ بواسطة الأعصاب التي تتحول نبضاتها إلى مذاق.) [الموقع الالكتروني العالمي لأومامي]
( ومن أجل أن اللسان آلة للمضع والبلع ٬ جعل الله سبحانه وتعالى هذه العضيلة قوية قوية ٬ نشيطة ٬ لعوبا ٬ تلعابيا ٬ لعابيا مخاطية. ولولا ذلك ما تم مضغ ولا بلع ٬ فاللسان هو الذي يلاعب اللقمة ويلوكها ويعجنها عجنا باللعاب ٬ حتى اذا اكتمل مضغها وأصبحت صالحة للبلع لفها بمخاطه وضغطها بين سطحه وسقف الحلق ٬ ودفعها بقوته وزلقها حتى تعبر قناة (اللهاة) فيكون البلع بعد ذلك بغير إرادة الآكل .) [ قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن:نديم الجسر] بتصرف .
حقاً إن كل شئ داخل الجسم البشري ينطق ويشهد بوجود الله وقدرته . وصدق الله العظيم : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ }[ الذاريات : 21] .
وإذا كان للسان هذا الشأن العظيم ٬ فٳن جُرمه كبير٬ وآفاته عظيمة ٬ ومن هذه الآفات: الغيبة والنميمة والكذب والسب والزور…مما يكون سببا في أن يخسر الإنسان دنياه وآخرته.
قال النبي صلى الله عليه و سلم:״(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسا فيهوي بها
في نار جهنم سبعين خريفا)) [صحيح ابن ماجة]. وقال صلى الله عليه وسلم : (( ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم٬ إلا حصائد ألسنتهم)) [ سنن الترمذي].
على الإنسان أن يعرف كيف يلجم لسانه ويمسكه عن الخوض في الباطل وإيذاء المسلمين بالنهش في أعراضهم وإظهار عيوبهم ٬ ولا يطلق له العنان دون أن يفكر فيما يقول ٬ لأن كل كلمة تخرج من لسانه تسجل عليه في كتاب يلقاه منشورا غدا يوم القيامة ٬ وسيحاسبه الله سبحانه وتعالى على كل لفظ يخرج من فمه. قال الله تعالى : {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (ق:18).وقال الله تعالى:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء:36]
وقال صلى الله عليه وسلم:(..ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)[صحيح البخاري.
وقال الإمام الشافعي: احفظ لسانك أيّـها الإنسان ٭٭٭ لا يــــلدغنك ، إنه ثعبان
وقال الشاعر : جراحات السنان لها التئـام ٭٭٭ ولا يلتئم ما جرح اللســـان
والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
ذ.أحمد الحجاجي





