**ثقافة الإعتذار** - بريس تطوان - أخبار تطوان

**ثقافة الإعتذار**

****ثقافة الإعتذار****

الخطأ صفة بشرية وسمة من سمات الإنسان والتعرض له أو الوقوع فيه لأمر طبيعي جدا تحت وطأة الانفعال، سوء الفهم والاختلافات المتعددة على مستوى الفكر، المبدأ، المنظور وغيرها من الخلفيات… كل البشر خطاؤون وبعض البشر فقط من يقوى على الاعتراف بالخطأ.
هو الاعتذار؛ أسلوب حضاري، سلوك إنساني راق وتصرف اجتماعي نبيل يدل على قوة الشخصية وتجاوز عقدة الدونية التي تمس بالبعض أمام اقرارهم بالخطأ واتخاذهم لأولى خطوات الفضيلة.
نمط صحي للحياة الاجتماعية تسلكه المجتمعات المتحضرة وتتبناه متى اقتضى الأمر وعيا بأهميته ومدى ثقل وزنه في الحفاظ على الأواصر الإجتماعية كركيزة لابد منها في تشييد العلاقات الإنسانية، ولن نستغرب ونحن نسمع عن وزراء، مسؤولون وهيئات في الدول الغربية تقدم اعتذارات رسمية للمواطن إن هي ارتكبت خطأ في حقه اقتناعا منها بواجب الانحناء للآخر مادام على صواب مهما بلغت رفعة مكانة المخطأ في المجتمع فلا أحد معصوم من الخطأ ولا الخطأ يستثني أحدا كيفما كان مركزه. الشيء الذي يكاد ينعدم في مجتمعاتنا العربية ظنا منها أن الاعتراف بالخطأ خطأ في حد ذاته والاعتذار إنقاص للشخصية وتقليل من وزن المعتذر وهدر لكرامته؛
الكل هنا على صواب والكل يتشبت برأيه مهما كان خاطئا والكل يرفض الامتثال للانسانية أولا، وأكاد أجزم أن الكل مخطئ في مجتمعي مادام هذا الكل يرى في الاعتذار عيب كبير وانكسار للكبرياء والشموخ.
هي ثقافة تشبعها العرب لا أساس لها ولا مبدأ تدعو إلى التشبت بالرأي والتعصب له والتمنع عن تقديم الاعتذارات خوفا من تمجيد الآخر والاعلاء بقدره ومن ثم الإنقاص بالنفس وتصغيرها…!
ويعود الأمر إلى عوامل عدة ربما تأسست بالطريقة على غير أساس، تنشئة كانت أو تعليم، منظومة تربوية سار على نهجها أجيال وأجيال تستثني الاعتذار من قاموسها كقيمة اجتماعية ثمينة، فلا نصوص في المقررات الدراسية تنمي هذه الثقافة في نفوس التلاميذ ولا قدوة من ذات المجتمع يمكن الاحتداء بها ولا وشوشة في آذانهم تحثهم على ذلك..! هي تراكمات مجتمعية، تربوية وأخلاقية تقود الطفل إلى الانغلاق قبل أن يؤدي المهمة عينها مع أبناءه..!. هي ثقافة الاعتذار التي تفتقر لها مجتمعاتنا تجعلنا نقف خلف قيم أخرى لا تقل أهمية عن الأولى فتجدنا نخطو بعيدا عن الاحترام والتسامح والصفح دون أن نشعر ونفقد النفس حقها في مراجعة نفسها وارتشاف جمالها والذي لن يظهر إلا في أنبل خطواتها ولن يتلألئ إلا في تصالحها مع الوجود..!
الافتقار لثقافة الاعتذار افتقار للقيم الإنسانية جمعاء وانعزال عن النفس والوجود.

مريم_كرودي/ بريس تطوان  


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.