قذائف الكرة وقذائف الدمار..!! - بريس تطوان - أخبار تطوان

قذائف الكرة وقذائف الدمار..!!

قذائف الكرة وقذائف الدمار..!!
ما معنى أن يظل المغرب يلهث سنوات طويلة؛ (خمس محاولات) وراء حلم تنظيم المونديال، وعندما يكون قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم، يجد نفسه وسط السراب الذي خاله ماء. فتذهب جهود، وأموال، وأوقات، واجتماعات، وطاقات، طيلة سنوات، سُدى، ويتلاشى كل شيء. ثم نشرع من جديد و نبذل مزيدا من الجهود لكي نفوز بمونديال 2030 !!إنها استماتة وأي استماتة من أجل حفل كروي عالمي، رغم أنه قد اتضح لنا وللعالم أجمع، أن خيوط لعبة المونديال تمسكها أيادي غربية قوية، تحركها وتوجهها حسب مصالحها السياسية والاقتصادية.لماذا هذا التقليد، والببغاوية، واللهاث وراء السراب في صحراء يباب؟وهب أننا بعد عشرين عاما أو أقل أو أكثر، ظفرنا بهذا “الشرف” شرف تنظيم المونديال. فماذا عساها تكون النتائج من حيث التنمية والتقدم العلمي والاجتماعي للبلاد؟ هل سيسهم المونديال مثلا، في علاج مشاكل التعليم، والصحة، والأسرة، والمجتمع ككل؟أما آن الأوان لنعود إلى رشدنا، ونعمل على الاهتمام وبذل الجهود والأموال في علاج وإصلاح القطاعات الحيوية (التعليم، الصحة، الاقتصاد، العمل، الأسرة، الشباب…) بدل تبديدها فيما لا يندرج في سلم الأولويات والقضايا المستعجلة. إن المنطق يقتضي أن يهتم المسؤولون بالأولويات والضروريات قبل الكماليات.
وهل سيحصل لنا ضرر إذا ما أعرضنا عن هذا المونديال وضربنا به عرض الحائط؟ولماذا لا تفكر الشعوب المسماة بالعالم “الثالث”، في تنظيم مونديال يشارك فيه فقط بلدان هذا العالم، ويقاطعون بذلك المونديال الذي تحركه الأيدي الخفية الغاشمة؟ومن ناحية أخرى، فإن الدول الغربية العظمى سادت العالم بالعلم، والتكنولوجيا، والاقتصاد القوي، والسياسة الميكيافيلية…لا بالكرة واللعب. ومع ذلك فإنها تحرص دائما على أن تنتصر في جميع الميادين والمجالات بما في ذلك مجال اللعب حفاظا على كبريائها وسياستها ومصالحها.وإذا كانت شريعتنا قد اهتمت كثيرا بالرياضة البدنية، ولم تحرم اللعب من أجل الاستجمام والترويح عن النفس…، فإنها قد وضعت لذلك ضوابط وأهدافا سامية وآدابا وأخلاقا.ثم إن هذه المناسبة الرياضية؛ أي المونديال، بسبب ضجيجها وهولها وتضخيمها وكثرة أبواقها الإعلامية، أثارت في نفسي بعض الأفكار المؤلمة التي قد تبدو غريبة لبعض الناس.أقول: لو أن شخصا اعتدى صباحا على أخيك أو إبنك اعتداء فظيعا أو قتله، ثم دعاك مساء لحضور حفل زفاف ابنه، هل كنت ملبيا الدعوة؟لا شك أنك سترفضها، بل ستعتبرها سخرية وإمعانا في الإهانة والاحتقار، من قبل هذا الظالم المتغطرس.لكن مما يدمي القلب ويشيب له الولدان، أن آلاف المسلمين أنفقوا الأموال كي يحضروا حفل لعب الكرة تحت إشراف بلد، لم تتوقف عساكره وطائراته الحربية عن قتل المسلمين الأبرياء في سوريا وتدمير بيوتهم.كم هو رهيب هذا المشهد الذي تزامن فيه اللعب بسيلان دم الأبرياء.!! كرة تتدحرج هنا، وأشلاء تتطاير، وبيوت تخر أسقفها وجدرانها على أهلها هناك!! والمشرف على الحفل الكروي أو الداعي إلى حضوره، هو المشرف على ذلك القتل والخراب ظلما وعدوانا. وبين الحاضرين وملبي الدعوة مسلمون ملكهم هوى الكرة، واستغرق كيانهم، وحال بينهم وبين الإحساس بما يعانيه إخوانهم في سوريا من العذاب والقتل والآلام والمصائب والكوارث. ونسوا قول الله تعالى: “إنما المؤمنون إخوة” (الحجرات: 10)فكيف يحلو ويطيب لمسلم أن يلبي هذه الدعوة وينفق ماله أثناء إقامته في بلد الحفل الكروي، وحكام هذا البلد يقتلون إخوانه، ويعذبونهم، ويحرقون بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم…إن هذا السلوك المعبر عن نوع من الجهل بقيمة الإنسان وضعف الإيمان، لا مستند له عقلا ولا شرعا، كما أنه معاكس أو مخالف لمقاصد الشريعة وأهدافها وغاياتها. ولعله من جهة أخرى يعكس لنا النفسية المنهزمة، والغثائية، والمستغربة، التي تحياها كثير من المسلمين في العالم العربي.

  بقلم د. عبد الله الشارف
أستـاذ علم الاجتماع بجامعة عبد المالك السعدي تطـوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.