هذا العالم ملك للمتفائلين - بريس تطوان - أخبار تطوان

هذا العالم ملك للمتفائلين

هذا العالم ملك للمتفائلين
«نحن قوم نرتاح للهزيمة أكثر من النصر، فمن طول الهزائم وكثرتها، ترسبت فينا نغمة الأسى في أعماقنا، فأحببنا الغناء الشجي والمسرحية المفجعة، والبطل الشهيد». هذه المقولة التي أطلقها الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، لا تزال معبرة عن حالنا وكأنها كتبت البارحة.

حقًا، فما زلنا نميل إلى الأحزان، والبكاء على الأطلال، وإذكاء روح التشاؤم، لدرجة وصلت بالبعض منا أن يستبعد إمكانية نهوضنا كأمة، مبررًا ذلك إما بالمخططات والمؤامرات، أو بكوننا أمة ميئوسًا منها، بسبب الصراعات المشتعلة، والأزمات المتناسلة في المنطقة العربية.

والحقيقة أن الوطن العربي يشهد بالفعل مرحلة حرجة في تاريخه، ازدادت تأزمًا بعد إخماد ثورات الربيع العربي، ليتكشف واقع سماته الضعف والتفكك، أبان إلى أي حد تمكنت الديكتاتوريات الآفلة من تفقير الشعوب اقتصاديًا وفكريًا، وكيف نجحت في زرع بذور الخلاف والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ليذيق بعضهم بأس بعض.

وهو الوضع الذي جعل الكثير من المثقفين والمحليين في عالمنا العربي، يتبنون وجهة نظر قوامها اليأس والتشاؤم، وهم يتحدثون عن المرحلة الحالية ويصفونها بكونها المرحلة الأسوأ في تاريخ الأمة، وأنه من الصعب إن لم يكن مستحيلًا أن تنهض الشعوب من جديد خاصة بعد انحراف الثورات عن مسارها، خدمة لأهداف «الثورات المضادة».

لكن ما نعيشه اليوم رغم قسوته وشدته، فهو بالتأكيد ليس أسوأ مما حدث لأمم أخرى، والأمثلة كثيرة ومتعددة، غير أننا سنكتفي بالتذكير كيف استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية -رغم الخسائر البشرية والاقتصادية والخسائر في المنشئات التي سببتها الحرب الأهلية- أن تعود بكل قوة، وتصبح الدولة العظمى في العالم.

وفي أوروبا كذلك، لم يأتِ هذا التقدم والتطور، ومن ثم الاتحاد بين دولها -رغم الاختلاف في اللغة والثقافة والمذهب الديني- إلا بعد حروب طاحنة التهمت الأخضر واليابس، وقضت على البشر والحجر.

فعلى الرغم من كل الشدائد والهزائم والأزمات العاصفة التي تمر بها أمتنا، فهي قادرة –كغيرها- على النهوض والوقوف من جديد، مصداقًا لقول الحق سبحانه وتعالى: «وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُها بَينَ النَّاسِ»، فأيام الانتصار والغلبة والفشل والهزيمة والقوة والضعف، جُعلت دولا بين الأمم السابقة واللاحقة، وهي سنة إلهية كونية لن تجد لها تبديلا.

إننا لسنا بحاجة أبدًا إلى أن نروج لثقافة اليأس والإحباط، بل نحن بحاجة إلى أن ننثر بذور الأمل بالنصر والتمكين لهذه الأمة في قلوب شبابها، نحتاج إلى ثورات فكرية لتحرير العقل، وإعادة بناء الوعي الذي بذلت الأنظمة السياسية في سبيل هدمه وتغييبه جهدًا كبيرًا، استعانت فيه بالمناهج الدراسية ووسائل الإعلام والأجهزة الأمنية وغيرها، فلطالما كان تزييف الوعي -على مر العصور- السلاح الأقوى في المعركة ضد حريات الشعوب.

أيها المتشائمون، أخبركم أنني متفائلة بأن المرحلة الصعبة التي يشهدها عالمنا العربي ستنتهي، وسوف تنتهي معها مخلفات الأنظمة المستبدة، لأن الثورات العربية رغم ما آلت إليه من تشويه وعرقلة، فإنها علمت الشعوب كيف تنفض عن نفسها غبار الخوف والجبن والخضوع، ورسمت لها معالم الطريق إلى الحرية والانعتاق.

أيها المتشائمون، إن أشد ساعات الليل ظلمة هي الساعة التي تسبق فجر النهار، لتبدأ مرحلة النور والإشراق. ونحن متمسكون بالأمل مهما بدا ظلام الليل العربي طويلًا وحالكًا، وكلنا إيمان بأن النصر آت لا محالة، انطلاقًا من قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

أيها المتشائمون، «إن العالم ملك للمتفائلين، وإن المتشائمين ليسوا سوى مشاهدين» كما قال السياسي الفرنسي فرانسوا جيزو. فلتصمتوا إذن، وليجف حبر أقلامكم، إذا لم يكن في قلوبكم مثقال حبة خردل من أمل.

سناء حفوظ
بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.