ألا تعتبر مبادرة "البام" درسا بليغا في المواطنة؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

ألا تعتبر مبادرة “البام” درسا بليغا في المواطنة؟

ألا تعتبر مبادرة “البام” درسا بليغا في المواطنة؟

     بكثير من الانشراح والارتياح، تلقى جزء كبير من المغاربة نبأ إقدام حزب “الأصالة والمعاصرة”، على إطلاق مبادرة طيبة تقوم على تنازل نوابه عن تعويضاتهم، في ظل هذه الظروف الصعبة التي تجتازها بلادنا، جراء تأزم الأوضاع السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية، بعدما دخلت مفاوضات تشكيل الحكومة شهرها الرابع، وإنهاء رئيس الحكومة المعين عبد الإله ابن كيران الكلام والعودة مجددا إلى الاعتكاف ببيته، في انتظار أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

     مبادرة تعد بحق مثالا للشهامة ودرسا بليغا في المواطنة الخالصة، ولا يمكن لأي مواطن غيور وذي حس وطني عميق إلا أن يدعمها وينوه بها، وتتمثل في كون حزب “البام” المتهم في جذوره ونشأته، لاسيما من طرف غريمه “السياسي” اللدود حزب العدالة والتنمية بقيادة أمينه العام ابن كيران، الذي لم يكن في ولايته السابقة يترك الفرصة تمر دون أن يوجه له من النعوت أقذعها، واصفا إياه تارة بحزب التماسيح والعفاريت وأخرى بالمافيوزيين أو التحكم، وذهب إلى حد مطالبته بحل نفسه، وكأن حزبه جاء فعلا من رحم الشعب كما يحاول إيهام نفسه والناس معه. أصدر بلاغا يوم 24 يناير 2017، يدعو من خلاله جميع نوابه البرلمانيين، البالغ عددهم في مجلس النواب 102 نائبا، إلى التنازل عن تعويضاتهم الشهرية في الفترة الممتدة ما بين افتتاح الدورة التشريعية وانتخاب رئيس مجلس النواب، وهو ما يعادل قيمة 14 مليون سنتيم عن كل نائب. موضحا بأن القرار نابع من إيمانه بمبدأي ربط المسؤولية بالمحاسبة، والأجر والتعويض مقابل العمل، ومشددا على أن الاستفادة من التعويضات، لا تكون مستحقة إلا عند الشروع في أداء المهام البرلمانية، والحال أن الفترة السابقة كانت مجرد حالة عطالة تامة.

     ومن المؤكد أن سعادة المغاربة ستكون أكبر وأعمق، عندما تتخطى هذه المبادرة حدود ما أثارته من نقاش سياسي وقانوني، وإقرار بعدم أحقية البرلمانيين في الحصول على تعويضات دون قيامهم بواجبهم، لتصل إلى مستوى ترجمتها على أرض الواقع وتصبح حقيقة ملموسة، عبر امتثال جميع السيدات والسادة النواب المعنيين للقرار الحزبي، وإيجاد الصيغ القانونية والاجتماعية الملائمة للتصرف في الأموال المتنازل عنها، بما يبعث الأمل في التغيير ومعانقة غد أفضل.

     ذلك أن هذه الخطوة الجريئة، جاءت في وقت نحن فيه أحوج ما نكون إلى أناس شرفاء ونزهاء، يقدرون جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم ويحترمون مشاعر أبناء الشعب من مختلف الشرائح الاجتماعية، ونعلم جيدا أنها ستحرج باقي الهيئات السياسية، وستكشف عن حقيقة من يدعون الزهد في المناصب والأجور العالية، خاصة منهم الذين يستعملون الدين كأصل تجاري واستغلاله لأغراض دنيوية فانية، في حين أنهم لا يفكرون عدا في إصلاح أحوالهم المادية. كما أنها لن تسلم من سهام الانتقادات ومحاولات نسفها وتسفيه أصحابها.

     كان بودنا أن يصدر مثل هذا القرار الشجاع والمسؤول عن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، حتى يكون منسجما مع نفسه ولو مرة واحدة، حيث سبق له في إحدى خرجاته الغريبة والمستفزة، أن برر لجوء حكومته إلى الاقتطاع من رواتب الأجراء والموظفين رغم هزالتها كلما شاركوا في الإضراب عن العمل، بأنه إجراء مأخوذ عن القرآن الكريم، مستدلا بقوله تعالى: “والسماء رفعها ووضع الميزان”. إذ اعتبر “عبقري” زمانه أن للميزان كفتين، وإذا وضع الأجير العمل في واحدة، لا بد أن تحمل الثانية الأجر مقابله، وإذا ما أوقف العمل يوقف بدوره الأجرة. بالله عليكم، أبمثل هذه العقلية المتحجرة تنهض شؤون البلاد ويستقيم حال العباد؟

     والأدهى والأمر من ذلك كله أننا فوجئنا بأحد نواب الحزب الأغلبي، ممن حملتهم اللائحة الوطنية للشباب إلى مجلس النواب، يخرج علينا من بين الجموع هائجا والزبد يتطاير من فمه: “البرلماني الذي لا مورد له غير هذا التعويض، الأكيد أنه لن يكفيه حتى لتغطية مصاريف التنقل والهاتف، وكراء مكتب للتواصل وأجرة المستخدم والمساهمة الخاصة بالحزب، فما بالك بالمساعدات الكثيرة التي يقدمها للمواطنين…” وترهات أخرى لن تزيدنا إلا غما وكمدا، وأخطر ما فيها أنها صادرة عن أحد رجال المستقبل، من حزب طالما دوخ عقول الناس بأخلاق مزعومة وطهرانية كاذبة ومزايدات دينية فارغة… بيد أن الواقع عنيد وعصي عن التعتيم، وصدق فولتير حين قال: “إذا أردت أن تعرف حقيقة الإنسان، امنحه السلطة والمال”.

     ترى أين نحن من المواطنة في ظل التهافت على المكاسب والمناصب؟ فالمواطنة الحقيقية، لا تختزل في انخراط بحزب سياسي أو انضواء تحت لواء حركة دعوية أو مجرد توفر على بطاقة تعريف وجواز سفر يدلى بهما عند الاقتضاء… نحن نريدها سلوكا حسنا ومعاملات يومية، تتجسد على أرض الواقع عبر تقوية قيم التسامح ونبذ العنف والإرهاب والتآزر والتكافل الاجتماعي، والولاء المطلق للوطن والاعتزاز بالانتماء إليه وتعزيز الرغبة في خدمته، الحفاظ على ثرواته والإسهام بفعالية في التنمية وتكريس الهوية المغربية والإسلامية والحضارية بمختلف روافدها…

     إننا نأمل أن يسهر حزب “البام” المعارض على إنجاح مبادرته، وأن تحذو الأحزاب السياسية المؤمنة بالتغيير حذوه واتخاذ خطوات أخرى أكثر جرأة ونجاعة، من أجل تخليق الحياة العامة ووضع حد لكافة مظاهر الفساد والريع والامتيازات غير المستحقة، ومراجعة تعويضات البرلمانيين والوزراء وإسقاط معاشاتهم، باعتبارهم غير موظفين…

ذ.اسماعيل الحلوتي / بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.