متى كان استعطاف الملك للاستيزار، مقتضى دستوريا؟ ! - بريس تطوان - أخبار تطوان

متى كان استعطاف الملك للاستيزار، مقتضى دستوريا؟ !

متى كان استعطاف الملك للاستيزار، مقتضى دستوريا؟ !

     على مدى أزيد من أربعة أعوام والمغاربة ينتظرون بشوق كبير، أن تلوح في الأفق تباشير التغيير، في ظل حكومة جاءت مع نسائم “الربيع العربي”، تعهد رئيسها عبد الإله بنكيران بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، ومحاربة الفساد والاستبداد، لاسيما أن دستور 2011 منحه من الصلاحيات الهامة ما لم يتوفر لسابقيه. لكن انتظارات الشعب ظلت معلقة بلا استجابة، وانضافت إليها إجراءات أخرى لاشعبية، ساهمت في رفع منسوب الاحتقان الاجتماعي، ليعم تصاعد الحركات الاحتجاجية كافة أرجاء البلاد…

     وما يعد كارثيا بالنسبة للأبرياء، الذين راهنوا على أن تعبر بهم سفينة “الإخوان” إلى ساحل الأمان، أن الربان أخفق ليس فقط في ترجمة وعوده إلى حقائق ملموسة، عبر محاربة الفساد والقضاء على مختلف مظاهر الريع، وفتح ملفات التشغيل والحكامة الأمنية والإعلام العمومي، ومنظومة التربية والتكوين والصحة والسكن والعدالة… بل أخفق كذلك في تأويل الدستور الجديد، عندما حصر نفسه في “ورش” بناء الثقة مع القصر، واختلاق معارك وهمية مع التماسيح والعفاريت، ما أدى إلى إفقاد مؤسسة رئاسة الحكومة هيبتها، خاصة أنه استمرأ عباءة الأمانة العامة لحزبه “العدالة والتنمية” ولا يريد التفريط فيها. علما أن الملك نفسه أوصاه باحترام الدستور وعدم خرق فصوله، كما دعا الطبقة السياسية إلى ضرورة تأويله بشكل ديمقراطي، لما فيه المصلحة العليا للوطن. وكان هذا الإخفاق الأخير من بين أهم العوامل الأساسية، التي ساهمت في تقهقر بلادنا إلى أدنى المراتب الدولية، على مستوى احترام حقوق الإنسان، وحرية التعبير وحرية الصحافة والحريات النقابية، والحق في الإضراب والاحتجاج السلمي وتأسيس الجمعيات…

     فرغم أن الحكومة في مراحلها الأخيرة، مازال ابن كيران يبدو عاجزا عن استيعاب روح الدستور، أو يتظاهر بذلك لأغراض خفية وحده وعشيرته يدركون سرها. وإلا كيف يمكن تفسير ما ورد على لسانه أمام الصحافة الوطنية والدولية، خلال ندوة صحفية نظمتها وزارة العدل والحريات حول حصيلتها السنوية، المنعقدة يوم الثلاثاء 23 فبراير 2016 بمقر المعهد العالي للقضاء بالرباط. عندما قال بشعبويته المعهودة، أنه حتى لو لم يحظ بشرف رئاسة الحكومة المقبلة، سيستعطف الملك لإبقاء رفيقه في الحزب مصطفى الرميد بمنصبه لولاية ثانية، معتبرا أن ما قام به من “إنجازات” تشرف وجه الوطن؟!

     وقد تناسى أن الرجل الذي أشاد بقدراته، هو نفسه الشخص الذي وقع الإجماع على استبداده بالرأي، وأن وزارته عرفت أعطابا كثيرة منذ توليه المسؤولية، حيث تشكلت عنه صورة قاتمة في تعاطيه مع عديد الملفات، وما شابها من خروقات في الحقوق وتراجع في الحريات، لم يسلم منها حتى القضاة أنفسهم، باعتماده الانتقائية وتسديد الضربات “القاضية” لمن يشق عصا الطاعة ويدعو إلى استقلال القضاء، مما كبد الدولة خسائر كبرى على مستوى الكفاءات المهنية، بينما يتغاضى عن القضاة المفسدين الذين يجيدون التصفيق لشطحاته… ولنا خير مثال على ذلك في: متابعة القاضية أمال حماني وعزل قضاة نزهاء وعلى رأسهم الخبير الدولي محمد الهيني المشهود له بالاجتهاد والحرفية والأخلاق العالية. ثم، ألا يعلم سيادته بوجود تقارير منظمات دولية، ترصد لحظة بلحظة تدهور الوضع الحقوقي بالبلاد، منها تقارير هيومين رايتس ووتش، والعفو الدولية، ومراسلون بلا حدود والاتحاد الأوربي؟ وبالإضافة إلى ذلك، أن محاكمة الصحافيين شكلت مادة دسمة لافتتاحيات بعض الصحف، بما فيها أكبر يومية في العالم “نيو يورك تايمز”. فضلا عن أن السيد الوزير، سبق له في برنامج تلفزيوني “كواليس” بقناة ميدي 1 تيفي، التصريح بأن العمل الوزاري أرهقه وأفقده الكثير من أصدقائه، ويرغب في التحرر والتفرغ للاشتغال بمكتبه في مهنة المحاماة، التي يجني منها أكثر مما يتقاضاه كوزير، وبمجهود أقل.

     إن مثل هذا الطلب/الاستعطاف، يعد ضربا لدستور قدم من أجله شرفاء الوطن تضحيات جسيمة، وأن الشعب المغربي بقيادة “حركة 20 فبراير”، خرج في تظاهرات سلمية حاشدة إبان ثورات الربيع، مطالبا بإسقاط الفساد وتحقيق ملكية برلمانية، وليس ملكية مطلقة. وبهذا “الاستجداء”، يخالف رئيس الحكومة مقتضيات الدستور، ويدعو صراحة إلى توريث الوزراء لمناصبهم وتكريس منطق وزارات السيادة، ولن نستغرب الأمر إذا ما وجدناه يوما يصرح بأنه سيطلب من الملك التمديد لجميع وزراء حزبه. ألم يقرر التمديد الإجباري لعمل الأساتذة والموظفين البالغين حد سن التقاعد، الخاضعين للنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية إلى غاية 31 غشت، ويسعى إلى رفع سن التقاعد لكافة الموظفين والأجراء، دون حوافز مادية؟ فمن المؤكد، أنه يعلم بأن لا الفصل 47 ولا غيره، يجيز له استعطاف الملك للاحتفاظ بعضو أو أكثر في حكومة موالية، ومع ذلك يصر على التمادي في صناعة البدع السياسية، وكأننا به يسعى إلى إجهاض العمل بدستور 2011.

     عموما هناك قضايا كثيرة متنوعة، تحكي تجاهل بنكيران لصلاحياته الدستورية في التعاطي معها، منها: “الكراطة”، “الشكلاطة”، “الكوبل”، “أمانديس”… مما يقتضي الانخراط الجاد والمسؤول في استحقاقات 7 أكتوبر 2016، وتضافر جهود الجميع ليكون رئيس الحكومة القادم، أكثر حرصا على احترام الدستور وتفعيل مقتضياته، واستعمال صلاحياته كاملة، والمضي قدما في اتجاه التأسيس الفعلي لمرحلة جديدة، تساعد في تحقيق الطفرة النوعية المرجوة في مسار البناء المؤسساتي والديمقراطي، حتى تستطيع نخبنا السياسية والحكومية خاصة، تولي الشأن التنفيذي بحزم والاحتكام إلى الدستور دون إزعاج الملك.
 

اسماعيل الحلوتي/ بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.