المسيرة الخضراء لقنت للمغاربة درسا “فوق العادة” في الوطنية
“في المملكة المغربية الشقيقة، أرى أن المسيرة الخضراء محطة تاريخية مفصلية في الدراسات المتخصصة المعنية بتتبع هوية الشعب المغربي وتاريخه النضالي وما يزخر به من محطات أسهمت جميعها في تأصيل الروح الوطنية وتجذرها. فالمسيرة الخضراء لم تكن خطب ولا دروس نظرية في العمل الوطني، بل ممارسة واقعية وسلوك حقيقي ترجم قيمة انسانية نبيلة هي حب الوطن، ووضعها في إطارها الذي تستحق ” انتهى الكلام.
إنها شهادة من كاتب عربي مرموق يدعى ” سالم الكتبي” يزور المغرب باستمرار، ويعرف عن قرب خصال المغاربة وعاداتهم كما يعرف تاريخهم، ووصفه هنا أن “المسيرة الخضراء محطة تاريخية مفصلية” ليس فيه مبالغة أو تنكر لتاريخ المغاربة الجهادي والنضالي التليدين، اللذان لا يجادل عليهما اثنين، بل هو وصف استطاع بالفعل أن يضع يده على شكل آخر من الجهاد والنضال، فريدا من نوعه، لا يشبه كل أشكال الجهاد والنضال في العالم بأسره.
لقد انتبه هذا الكاتب العربي الحصيف أن المغاربة قد تلقوا درسا تاريخيا، فوق العادة، في الوطنية بعدما أقر الملك الراحل الحسن الثاني بحق المغرب في صحرائه، و أعلن عن تنظيم مسيرة سلمية شارك فيها يوم سادس نونبر 1975، 350 ألف مغربي اجتازوا الحدود رافعين القرآن الكريم و الأعلام الوطنية، فمكنت من فتح الطريق لاسترجاع الصحراء بعد أكثر من 75 سنة من الاحتلال الاسباني.
وأراد أيضا، في ظل هذه الظروف العصيبة التي يعرفها العالم بأسره من انتشار للفكر الإرهابي وتوق العصابات المنظمة تنظيم الدول إلى إراقة الدم وخلق الذعر ونشر الخوف بين الأطفال والنساء والرجال والشيوخ، أن ينبه إلى رسالة السلم والسلام في المسيرة الخضراء، وإلى التأثير القوي لمعجزة القرن في ضخ دماء وطنية مميزة للمغاربة، لأن المسيرة الخضراء، على حد تعبيره، لم تكن خطبا ولا دروسا نظرية في العمل الوطني، بل ممارسة واقعية وسلوكا حقيقيا ترجم قيمة انسانية نبيلة هي حب الوطن، ووضعها في إطارها الذي تستحق.
إن ما يميز ، إذن، المسيرة الخضراء هو أنها تعتبر أكبر عملية بشرية تم بواسطتها استرجاع أراضي من الاحتلال، فاسترجاع الصحراء المغربية من الاستعمار الإسباني بواسطة هذه الطريقة السلمية حقنت المغاربة بمصل مزدوج يذكي روح السلام في إحساسه و يجبله على الدفاع عن الحق، فأصبح المغربي بطبعه وطني غيور لا يلجأ إلى الحرب مادام لم يستنفذ جميع المساعي السلمية، فكان سباقا إلى الدعوة للائتلاف والتوحد على الصعيدين المغاربي والعربي، وكان سجل بلده المغرب حافلا بتنظيم العديد من المؤتمرات والتظاهرات واللقاءات والمفاوضات التي من شأنها أن تجنب العالم العنف والدمار وأن تسترجع حق الفلسطينيين في أرضيهم وحق باقي الشعوب في العيش بسلام وأمان.
بقلم: عماد بنحيون
[email protected]