لعنة كراء الأسواق الأسبوعية تقزم ميزانية الجماعات :
تدخل الأسواق الشعبية ضمن الموروث الشعبي بكل ما تختزله من مكونات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية باعتبارها كانت محور اللقاء والتشاور والفصل والقضاء في مجموعة من الأمور التي تتعلق بالنسق اليومي المجتمعي الذي تفرضه الظروف المعيشية والإقتصادية والإجتماعية لكل منطقة على حدة.
كما أنها كانت ومازالت المحرك الرئيسي للرواج التجاري بالبوادي والمدن شبه حضرية، ورغم أنها بكل عفويتها وبساطتها فقد ظلت قبلة العديد من القبائل والدواوير في ذاك اليوم الذي اختير لها من كل أسبوع والذي يظل الوافدون إليه ينتظرون بكل شغف وتهيؤ، فإنها اليوم تشهد تفككا على كل المستويات وافتقادا لعدد من المرافق بحكم التوسع العمراني الذي شهدته الفضاءات المحاذية لها وبالتالي أصبحت تتوسط المدار الحضري.
مما جعل العديد من القائمين على الشأن المحلي بهذه المناطق التفكير في نقلها إلى أماكن أخرى تكون أبعد شيئا ما من هذا الوسط لما تحمله معها طقوسها وعاداتها وضجيجها وارتباك حركة السير والمرور، وحديثنا اليوم عن هذا الموضوع لن يقتصر على تاريخ هذه الأسواق بإقليم ولا بالمواد التي تعرض فيها ولا الحالة المزرية التي تعرفها من تلوث وأزبال وتعفنات، ولا الطريقة التي يتعامل بها مكتروها ومساعديهم في تحصيا واجبات الكراء أو الصنك، وإنما من الصفقات التي تقوم بها بعض الجماعات القروية منها والحضرية بالإقليم في كراء هذه الأسواق .
حيث تم تسجيل انخفاض في السومة الكرائية مقارنة مع باقي السنوات كما هو الحال مع الأسواق الأسبوعية لكل من جماعات بنقريش والسوق القديم والحمراء وبني يدر وجبل الحبيب وبني سعيد…، وبقراءة في الجهات التي تتحكم في عملية الكراء هذه فإننا نجد أن هناك بالدرجة الأولى مصلحة الجماعات المحلية الولاية إضافة إلى السلطات المحلية والقباضات المحلية ورؤساء الجماعات التي ينتمي إليها السوق ناهيك عن مجموعة من السماسرة الذين يدخلون في هذه اللعبة والذين لهم اتصالات مع كل هذه الجهات وجهات أخرى لذر الرماد في العيون لدرجة أن المعاين لعملية الكراء وفتح الأظرفة يخرج مقتنعا أن الأمر عاد ولاتشوبه شائبة وقد مر في أحسن الظروف وفق ما يطمح له الجميع!، أي بلغة الساسة أن هناك ديمقراطية وشفافية ونزاهة لتبقى الجماعة هي المتضرر الأول والأخير من هذه العمليات والتي يؤدي ثمنها المواطن المغلوب على أمره الذي يؤدي كل الضرائب المفروضة عليه المباشرة منها وغير المباشرة لتحسين مدخول هذه الجماعة أو تلك، حيث يضيع على هذه الجماعات جانب مهم من المداخيل التي تبقى الجماعة في أمس الحاجة إليها.
ولعل أغلب الجماعات التي فاحت من وراء عملية كراء أسواقها رائحة التلاعب والتواطؤ المكشوف تعرف وضعا ماليا جد مزر ترتب عنه وضع جد مترد في بنياتها التحتية ومرافقها العمومية والإجتماعية والإقتصادية كما تتخللها صراعات داخلية في مجالسها الجماعية مما ينعكس على ميزانيتها ويتداخل الحابل بالنابل وتشوبها خروقات جمة في التسيير المالي وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من حط رحال لجن التفتيش الجهوية بها، هذا إذا لم يكن هناك تواطؤ من نوع آخر.
وهو مايجعلنا ندق ناقوس الإختلالات التي تمس جسم الشأن المحلي بمجموعة من الجماعات التي لاتعير للمواطن أدنى أهمية في مسيرتها الجماعية بقدر ما تجري وراء مصالحها الخاصة ومصالح الموالين لها والتابعين وبعض الأقارب من هنا وهناك خالقين لهم أرصدة وأملاك عقارية بالإقليم وخارجه مما أصبح على الجهات الإقليمية الوقوف لمثل هذه الممارسات التي لاتخفى عليهم والضرب بيد من حديد على ممارسيها من سماسرة ومتلاعبين ومستشارين جماعيين وموظفين، وإلا تسند الأمور للجن من داخل هذه الجماعات تكون تحت إمرة السلطات المحلية ليتحمل كل واحد مسؤوليته فيما قد يقع لإستخلاص مداخيل هذه الأسواق درءا لكل تلاعب. وكفانا من عملية كراء هذه التي لاتجني منها الجماعات إلا الفتات كما تفرض على المجلس الأعلى للحسابات بإيفاد لجن للتقصي والبحث للوقوف على هول ما يجري في فلك هذه الجماعات. وماخفي كان أعظم.
محمد مرابط لبريس تطوان





