واقع قطاع الصحة في شفشاون.. إلى متى؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

واقع قطاع الصحة في شفشاون.. إلى متى؟

أن تهرع في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين إلى مركز صحي طلبا للعلاج أو بعد مخاض الولادة وتجده مقفلا أو مفتوحا ولم يلتحق طبيب أو ممرض أو قابلة بعمله، فاعلم أنك تعيش في بلد لا يكترث بالحياة.

في شفشاون الإقليم الشاسع بتضاريسه الوعرة وبساطة ساكنه، تعددت حوادث الموت بسبب البنايات الصحية المقفلة، من حالة وفاة طفلة أمام مركز صحي بأمتار، إلى وفاة طفلة ولدت لتوها أمام مركز ولادة بتاموروث، إلى العديد من حالات الإهمال ونداءات الاستغاثة الصحية المتعالية عبر ربوع الإقليم.

هناك خلل ينتاب القطاع الصحي في شفشاون التي إستطاعت أيام الحجر الحفاظ على الرقم صفر في حالات كورونا، وقد تباهى المسؤولون بفتحهم المبين وأمعنوا لذلك في تدابير الإغلاق الصارمة،لكن لم نسمع لهم صوت حول حالة قطاع الصحة المتهالك.

لنسلم بداية بالنوايا الحسنة لأصحاب القرار كمقدمة بسيطة لا تحتمل العكس استصحابا للأصل المعتبر في تعيين المسؤولين، بالنظر للثقة المطلقة في تدابير سلطات التعيين، الأمر الذي يربأ بنا عن الذهاب إلى الحديث عن مسؤولية ممتدة تبدد الحقيقة في تحليل لن يقدم حلا لمعضلة، أسألت من مداد المزايدات ما أسألت، وكانت الضحية هي صحة المواطن المتألم الواقف على أبواب مستوصفات مغلقة، أو دور ولادة مهجورة صرفت الدولة في سبيل إحداثها أموالا طائلة.

المواطن الذي عليه الانتظار طويلا حتى يمكن له أن يتمتع بفحص أو يستكمل إجراءات التحاليل وباقي الكشوف بسبب المواعيد الغير المعقلنة والغير الملائمة لحالته الصحية، أما الجراحة فتلك طامة كبرى بسبب قلة الاطر الصحية والغياب التام للأطر الحيوية لعدم تعينها أصلا.

هذا الواقع المزري للصحة في الإقليم لا يحتاج إلى تشخيص، والجميع يعلم بتفاصيله المملة، والكل يرفع شعار التغيير منذ سنوات.

هذا التغيير الذي لم يأت رغم كثرة الحوادث والانتقادات والاحتجاجات، مما يجعل سؤال ما العمل؟ يطرح نفسه بقوة.

التقدير الانطباعي الأولي قد يحيل الوضع إلى السياق العام للوضع الصحي في بلادنا، وضعف العناية الحكومية به، وهو المترجم في ضعف الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع الصحة بشكل مزمن منذ الدخول في سياسة التقويم الهيكلي أواسط الثمانينات.

لكن وإن صح هذا الانطباع الذي لا ينكره أهل التخصص فإن هلاك المرضى على عتبات دور العلاج يتجاوز هذه المسلمة إلى أزمة أخلاقية لا علاقة لها ببنيوية الحق في الولوج إلى المرفق الصحي، الأمر يتعلق بمسؤولية مباشرة وموضعية للمسؤول الذي لا يلتحق بمقر عمله أو يغادره قبل انتهاء الدوام المهني.

إن مضامين قسم ابوقراط تنسحب على باقي المهن الصحية، لأن هذا القسم يتمحور حول العلاج وتقديم مطلق المساعدة الطبية لمطلق الإنسان، ومن غير المنطقي التحجج بالواهي من الذرائع للتملص من المسؤولية الاخلاقية، لأن هذه المسؤولية تقوم على سلطان الإرادة بين متعاقدين، الدولة والموظف الصحي الذي يتعين عليه الالتحاق بمكان عمله في الوقت المحدد.

ولعل الانطلاق في معالجة معضلة الصحة في شفشاون يجب أن تنطلق من فرض الانضباط في صفوف أصحاب المهن الصحية، لا يمكن أن يترك مواطن جريح بسبب حالة الطريق المؤدية به إلى حادثة سير، في قاعة إنتظار وصول طبيب يقطن بتطوان مثلا، كما لا يمكن أن تترك امرأة تعاني ألم المخاض تتلضى بالالام حتى لا نزعج طبيب مستغرق في نومه، تماما لا يمكن القبول بحالة مرفق صحي مغلق إلى الزوال لأن حامل مفاتيحه يقطن بعيدا ولم بعد يلتحق بعمله.

وما أتمناه من أصحاب القرار في شفشاون هو قيامهم بزيارات مباغتة لأي مرفق طبي في أي مكان من الإقليم وفي أولى ساعات الدوام المهني للتأكد من مدى الحرص على المصلحة العامة، أتمنى لو يتم اعتماد إثبات الحضور رقميا في بوابات المستشفيات لمراقبة مواعيد فتحها، وأتمنى أن تخصص خطب الجمعة في المساجد القريبة من المستشفيات للتذكير بحرمة النفس البشرية، ومعاني قسم مهنة الطب المؤصلة في شريعتنا، كما أتمنى على النقابات الصحية أن تستوعب حيادية صحة المواطن في سباق تحصين مكتسابت منتسبيها، النقابة يجب أن تكون مواطنة وإلا فالأجدر بها أن تسمى نفسها شيئ اخر.

أتمنى من كل الأعماق أن نحقق في شفشاون “زيرو وفاة بسبب مستشفى مغلق” على غرار زيرو كورونا.

أما منتخبي الأمة في هذا الإقليم إلا من رحم ربي فإني متأكد أنهم لا يستطيعون حمل مطالب الساكنة بخصوص قطاع الصحة والترافع عليها إلا في إطار أسئلة كتابية للوزارة الوصية من أجل الاستهلاك الفيسبوكي، ليس لهم شجاعة الميدان، ومنهم من قضى الدورة الماضية في منصبه التمثيلي ولم يترافع ولو على تزويد مستوصف أمتار أو دار ولادة تاموروث ولو بالمرهم الأصفر الصالح مغربيا لعلاج كل الأمراض، وقد ينفع في علاج داء اللامبالاة العاطفية، فقط على من يلتمس في نفسه تلك الأعراض أن يمتلك شجاعة التجربة.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.