نجاح الفرد في نجاح الأمة - بريس تطوان - أخبار تطوان

نجاح الفرد في نجاح الأمة

في طفولتنا و حين كان يوجه أحدهم السؤال لنا حول ما نريد أن نصير حين نكبر، كانت أجوبتنا تشبه بعضها البعض إن لم نرد بدكتور كنا نقول معلم….؛
هذه الردود العفوية كانت تنم عن اقتداءنا بأحد الأمثلة التي التقيناها، فالكل أنذاك لم يرى شخصية أعظم من الدكتور الذي كان يقف أمامنا بكل قوة، يفحص أجسادنا الصغيرة و يحثنا على إتباع إحدى الوصفات الطبية لنكتشف أن هذا الإنسان الخارق استطاع إزالة الألم والوجع بلمسة سحرية منه؛
تماما كالمعلم الذي كان يسير الفصل باحترافية و تناسق، يفرض وجوده أمامنا و نحسب له ألف حساب، انبهارنا به وتميز موضعه كان انتقالا من فترة كنا نظن فيها أن الأباء وحدهم من يتمتعون بالدراية التامة إلى الفترة التي أضفنا فيها الأطر التربوية إلى القائمة
 ثم تكبر أحلامنا بتواز مع أعمارنا ..
وتجري بنا السنين كشريط وثائقي يعرض أمامنا المهن الكثيرة التي تبهرنا كمكتشفين صغار للعالم من حولنا …
ليتضخم مخزون معرفتنا به رويدا رويدا ونحن في طريقنا إلى الحياة : صحفي، رجل الشرطة، ربان الطائرة، مهندس معماري…
كلها مهن ومناصب استوطنت مخيلاتنا وبنت عشا بين أحلامنا الوردية..  لنكبر ونعمل جاهدين على تحقيقها واخضاعها للواقع المعاش تنفيذا لإرادات ورغبات شخصية.
في الفترات الأولى من الطفولة كان تعليلنا للجواب فطريا: أريد أن أعالج المرضى، أن أعيدهم إلى الحياة، أن أربي الأجيال، أن أعتقل المجرمين…  ليصير التعليل شخصيا أكثر وأنانيا أكثر كلما تقدم بنا السن: أريد أن أصبح صحافيا مشهورا ليلتقط الناس الصور معي، فنانا لأستحوذ على اهتمام المشاهدين، أريد أن أصبح مهندسا معماريا كي أبني بيتا كبيرا لي وأصير غنيا، أريد أن أصبح أستاذا أو معلما كي أستفيد من عطلة صيفية طويلة…
بدون أن نشعر تجدنا ننساق خلف رغباتنا الشخصية ونلغي من يعيش معنا وحولنا من مخططاتنا التي نسعى إلى تحقيقها، لنصبح وقد كبرنا أطباء وأساتذة وصحافيين ومدراء ورجال سلطة.. لا تخدم إلا أنفسها ولا ترتمي إلا في أحضان ذواتها، فانعدام حس المسؤولية الذي يطبع هويتنا ما هو إلا تراكم عاش معنا، كبر و ترعرع بداخلنا.
لتجد الموظف يخطط كي يسرق ساعة راحة أثناء مزاولته لعمله، وتجد مربي الأجيال يجلس قبالة صفوف التلاميذ مسافرا عبر العالم الافتراضي مستغلا حصة الدرس في إجراء مكالماته ومحادثاته الشخصية،
لتجد الدكتور يلهث بين المصحات أو بالأحرى خلف الأموال غير آبه بصحة من بين يده من بؤساء،
ولتجد المهندس سرعان ما يفرغ من بناية حتى تتساقط فوق رؤوس السكان عبثا منه وتماطلا…
لو اشتغلت الناس بفطرتها الإنسانية كما كانت تتخيل في صغرها لتقدمت الأمة ولتجاوزت العتبة التي لا زالت تقبع عندها منذ سنين مضت … و ذاك ما يميز الأمم الغربية عنا كعرب: تشبتهم بانسانيتهم، اشتغالهم بجد و بحس مسؤولية عال، ممارستهم لعملهم بحب و تفان و معاملتهم الغير على أنهم هم…. خصال تجاوزونا بها بكثير، فلا يصح لنا الطعن في جودة الخدمات التي يقدمها لنا الموظفون كمواطنين دون بناء أساس جيد لهم مفاده أن نجاح الفرد في نجاح الأمة.
مريم كرودي/بريس تطوان

شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.