منطقة "كابونيكرو" وحكاية موت الجبل (الحلقة الخامسة) - بريس تطوان - أخبار تطوان

منطقة “كابونيكرو” وحكاية موت الجبل (الحلقة الخامسة)

بريس تطوان

النيابة العامة

وفي رواية أخرى تقول الحكاية الشمالية، أن أحد المسؤولين بالقضاء الواقف، بدائرة تطوان، كان ينحدر من منطقة بلاد “جبالة”، حز في نفسه مشاهدة ما يحدث من انتهاكات جسيمة للملك العمومي البحري والغابوي، وبصفة خاصة لمنطقة جبل “كابونيكرو” فقام من تلقاء نفسه بإجراء بعض التحريات بشكل شخصي، تحريات لا تحمل أي طابع رسمي، فقط لكي يستوعب حيثيات هذه الإشكالية المعقدة، أو بعبارة أوضح هذه  الجريمة “الكافكاوية”، نسبة إلى الكاتب العظيم “فرانز كافكا” في حق المنطقة، هذه الجريمة الكاملة والتي للأسف يفلت دائما مرتكبوها من العقاب.

وتروي الحكاية الشمالية أن المسؤول القضائي السابق وقف على وجود  عيب و”عوار” كبير في القانون المغربي، عيب يجعل من المستحيل حماية الجبل من الدمار والاستغلال سواء كان الإعتداء عشوائيا، أو مقننا، والمقصود بالاعتداء المقنن هو فعل السطو الفاضح المغلف بمسوح قوانين الاستثمار والتنمية وقوانين الإطار، وغيرها من “الفذلكات” القانونية، ” ّفذلكات” مفبركة على المقاس، فاقدة للشرعية الحقوقية ولروح القوانين، الهدف منها فقط شرعنة  فعل السطو  بالغصب.

و يروي المسؤول القضائي السابق والعهدة عليه، أن محتلي جبل “كابونيكرو” وعموم الملك البحري والغابويكانوا يشتغلون وفق شبكة منظمة، مؤطرة بقوانين خاصة، توفر لهم الغطاء القانوني الكامل.

ويستطرد المسؤول القضائي، السابق أن المحتلين  كانوا يلجؤون إلى أساليب شيطانية وذلك بالتنسيق المحكم مع مختلف المصالح الإدارية العمومية، مثل مصلحة المياه والغابات، وشرطة مراقبة الملك العمومي البحري، وإدارة الأملاك المخزنية والمحافظة العقارية، والجماعات القروية والحضرية، والسلالية، والمحكمة وغيرها من الإدارات المتدخلة .

أما بخصوص خطة الإعتداء والسطو فكانت تنفذ على الشكل التالي:

للتحضير للجريمة يقوم المحتل أو  المحتلون بشراء أراضي خلاء، بمناطق  بعيدة في الأطلس الكبير أو المتوسط أو الصحراء، بمبلغ زهيد جدا 10 سنتيم للمتر المربع أو أقل، بعد ذلك يقومون بتنفيذ اعتدائهم المادي على الملك العمومي المستهدف احتلاله ، سواء بجبل “كابونيكرو” أو”ريسطينكا” أو “سانية الطريس” حيث يشرعون في اجتثاث الأشجار وإضرام الحرائق تمهيدا للمرور إلى فعل السطو ووضع اليد.

وباتفاق مسبق على شكل مسرحية “كافكاوية”، تقوم إدارة المياه والغابات بمتابعتهم أمام القضاء وعندما يصل الملف إلى المحكمة يعرض المحتلون، الصلح حيث يقترحون على إدارة المياه والغابات عملية المبادلة.

والمقصود بالمبادلة أنه مقابل تنازل إدارة المياه والغابات عن احتلال أراضي ذات سعر جد مرتفع  بالشريط الساحلي الشمالي، يقوم المحتلون بمنحها الأراضي التي سبق لهم أن اشتروها بثمن بخس في الأماكن النائية،مقابل الظفر بأراضي “كابونيكرو” وغيرها من المناطق الشاطئية.

وبناء عليه يتم تحرير محضر صلح يتم بموجبه إسباغ الصفة القانونية على فعل الاعتداء والسطو على الملك العمومي.

من جهة أخرى أوضح المسؤول القضائي أن النيابة العامة كانت تجد يدها مغلولة أمام هذه الممارسات، فطالما تم الإدلاء بوثيقة الصلح، وتراضي الأطراف على عملية المبادلة، فعملية السطو تمر بكل سلاسة، وذلك طبعا على حساب حقوق الوطن.

وهكذا تنتهي حكاية موت جبل “كابونيكرو” العظيم، بنهاية حزينة، نهاية  تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن كل شيء يموت ويضيع في هذا البلد، حتى الجبال الشامخة بدورها تسقط وتموت في أجمل بلد في العالم.

ويبقى السؤال المحير هل كان من الممكن فعل شيء لتجنب الكارثة ؟

الجواب يبقى معلقا حاليا وربما سيجيب عنه التاريخ يوما ما.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.