ما الذي أفسد متعة الحياة؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

ما الذي أفسد متعة الحياة؟

لعل أروع ما ميز حياتي، هو انتمائي لجيل التسعينات.. بالرغم من أنه لم يعش جمالا صاخبا بقدر الأجيال التي سبقته ولم يكن مُميزا بشكل كاف، إلا أنه كان ختام الأجيال “الذهبية”، الراقية والهادئة.. استطاع أبناءه أن يرثوا بعض الجمال من الماضي غير البعيد، وتمكنوا من أن يتشبعوا بقيم صارت اليوم “ذكرى”، وأظنه كان آخر الأجيال التي عاشت جل مراحل حياتها بتروٍ وتذوقت كل فترة على حدة.

جيل جميل بكل ما كان يحمل في ثناياه من تمرد.. عاش الحياة على طبيعتها وانتقل في سلم زمانه بثبات.. واستطاع أن يلعب على الحبلين معا؛ طفولة شقية تُراوغ الحياة على سجيتها، ورجولة مسؤولة تعلمت فنون قتال المصاعب والمتاعب.

وإن أحصينا عدد ما تمتعنا به من أشياء جميلة، ستأتي البساطة على رأس القائمة، إذ تفنن جيلنا “الذهبي” في استنباط السعادة من رحم البساطة.. ركض في التراب وسابق الرياح لمُشاهدة الرسوم المُتحركة الهادفة، وأسعدته لحظات اللهو بالدمى والكرة والشريط المرن .. وكان أغنى الأطفال أنذاك من تمكن من اقتناء اللعبة الالكترونية الشهيرة “الأثاري” أو “الأثاري المحمول” والذي اتسم بلعب الثعبان والبناء…

تفاصيل بسيطة كانت تُسعد أبناء ذاك الجيل، وقيما نبيلة كانت تطبع مُعاملاته، كالكرم والعطاء واحترام الأكبر سنا وتقديره.. والكثير من التآزر والتآخي.. والقليل القليل من الوحدة والتوحد..

لتأتي اليوم وسائط التواصل “اللعينة” وتُفسد علينا مُتعة الحياة، كل شيء صار عاديا.. كل شيء أصبح مُتاحا.. إلا السعادة!! وحدها الغائبة .. وحدها صعبة المنال..
تقول حكمة قديمة إن “من تعب في شيء شعرَ بقيمته”؛ وكم أتعبنا الانتظار أنذاك .. وكم أتعبتنا التوقعات ..وكم أتعبنا العمل على نيل المطالب… إذ حتى فرحة العيد كانت تأتي بعد ترقب طويل وانتظار أطول، وكذا كل باقي النجاحات والتميزات .. الشيء الذي يفتقده أبناء الجيل الراهن: التعب في الشيء.. انتظاره.. ثم استشعار قيمته..

شاهدت وثائقيا في الفترة الأخيرة يتحدث عن نفسية الأطفال خلال السنوات الجارية، إذ أثبتت الدراسات أن نسبة كبيرة منهم تعاني من الاكتئاب ومن اضطرابات نفسية، علاوة على القلق المزمن والتوتر … حيث يجد الطفل نفسه عند ولادته محاطا بعدد كبير من الأجهزة الإلكترونية كما يتم تعويده عليها منذ نعومة أظافره لتصبح علاقته بها علاقة وثيقة جدا تتحول بعدئذ إلى إدمان خبيث.. مما يسبب في تنامي الأمراض النفسية لديه وبالتالي فقدان لذة الاستمتاع بالحياة وبتفاصيلها…

أطفال اليوم، مع عدم التعميم، يعيشون حالة قلق دائمة جراء التكنولوجيا وامتلاكهم لكل الأساسيات والكماليات، إذ لا يستمتعون بالحياة الراهنة ولا يتعبون في تحقيق الأحلام البسيطة..
أطفال اليوم، يفتقدون للبساطة والسعي وراء الضحكة الصادقة، يرتمون في حضن التوتر وتكبل أصابعهم بشاشات صغيرة تحجب عنهم نور الدنيا وشمسها..
يدوسون زر الإنطلاق فور رؤيتهم للنور، ويمتطون سلم الحياة بسرعة فائقة..
أطفال اليوم، يضيع من بين أيديهم الكثير من الجمال ويتمنعون عن البحث عنه، ينفلت الحاضر من قبضتهم ويتبخر المستقبل من شدة التوتر!!
لأعود وأقول أروع ما ميز حياتي هو طفولتي، وكم يحز في نفسي أن أرى أطفال اليوم، شيوخا في أجساد صغيرة.

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.