كحبة رمل تائهة - بريس تطوان - أخبار تطوان

كحبة رمل تائهة

كحبة رمل ذابلة تذروها الرياح، لا تدري بأي أرض تحط رحالها، ضائعة.. تائهة.. تتوهج تارة وأشعة الشمس تدغدغ محياها وتهوي أخرى وقد فقدت توازنها ..
على شفا حفرة تتشبت بالحياة .. وتتطلع.. على شفا حفرة تعقد الأمال.. وتتضرع..!
كحبة رمل ، استيقظ لأجدني محملة على أكتاف المجهول، بساط لا يشبه بساط علاء الدين وياسمينة، ولا بساط الشريرة الساحرة.. هو اعتلاء عن الممشى .. عن الرصيف.. عن السبيل الأوحد للبشر… تيه وحيرة وضلال ربما..

كل السبل انقطعت، كل الأنوار انطفأت والريح في حرب طاحنة مع الأرض .. لا بوادر للهدنة، وأنا الأسيرة لدى الرياح و أنا البند الأخير من الاتفاقية .. ولم تبادر الأرض في المطالبة بإجلائي..

قيل لي ذات يوم أني مسيرة، ولن أتمكن من اتخاذ قرار بشأن الطريق.. قيل لي بأني قدر كتب في لوح قبل أن ترى عيناي النور! لم أصدق في بداية الأمر، ظننتها مزحة.. ظننتها كذبة أبريل التافهة.. ظننتها دعابة لا ملح لها…
غير أن الرياح هذه، والتي هبت دون سابق إشعار ، أكدت المقولة وأصرت على أن أصدقها، تمنيت لو عاد بي الزمن إلى الوراء قليلا حين التقيت القائل، تمنيت أن ألتقيه مجددا وأن يقول مقولته هذه وأن أصدقها وأوقع تحت حروفها.. كان الضرر سيكون أخف مما عليه اليوم، ربما ما أصابي اللحظة  هي لعنة تكذيبي له.. أظنني كنت سأسير إلى جانب الحياة كباقي حبات السجاد الرملي الذهبي .. كنت سأتخذ موضعا بينهن.. وسأعيش مد البحر وجزره .. ولا بد وأن ملوحته كانت سترسم ملاحتي وتثقل وزني .. ويقف سدا منيعا أمام عصف الرياح…
لكني اليوم حبة رمل، ضلت سبيل الحياة، هجرت القرية العامرة دون قصد، وذابت وسط زوبعة موحشة..

كحبة رمل تماما، شاءت أقدارها أن تراقص مزاج الطبيعة، أن ترتمي في أحضان جزيرة أحيانا، وأن تنجو من الهلاك كل لحظة.. كأن تنزلق من يدي طفل صغير كاد يخنقها، مثلا، وهو يشيد قلعة رملية… و أن تتسلل بذكاء من تحت أقدام تقفز من الحر ،كادت تدوسها … وأن تنتحر خارج الماء في كل ثانية يلفظها الموج جزرا لتتشبت بالسجاد وتلتصق بأحد خيوطه بعد أن شربت ما شربت من مياه البحر.

كحبة رمل لم تستوعب بعد ما جرى، وكيف آلت بها الظروف إلى هنا .. جابهت الرياح ما استطاعت وكابدت جبروتها وقاومت، إلا أنها كانت في كل مرة تنهار مستسلمة لقوة أقوى من جسمها الضئيل.

كحبة رمل، قررت التمرد يوما، ودفعت بجسمها خارج منظومة الرمل .. تدحرجت على سفح جبل، بعدما رمت بها الرياح هناك، أرخت بهيكلها لفعل الطبيعة ولقوة الروح المتأججة التي تحركها.. تدحرجت منساقة لقدرها ومتيقنة من وجود حياة أفضل من حياة الصراع هذه .. رمت بنفسها إلى أن دوى سقوطها في قلبها.. “أظنها النهاية أظنني وصلت.. أظنها حياة جديدة.. ” تمتمت الحبة قبل أن تفتح عيناها..

كحبة رمل، أيقنت أن الغد واعد، رغم الرياح العاصفة.. كحبة رمل .. تدمرت.. وتسلل اليأس والتيه إلى قلبي.. كحبة رمل تمردت وتدحرجت.. وفور وصولي فتحت عيناي بخوف وتوجس شديدين..
فتحت عيناي ووجدت هلالا ينتظر.. استجمعت قواي وسرت نحوه بثبات..
هدوء.. سكون .. طمأنينة.. لا رياح تعصف هنا ولا مد ولا جزر.. فقط سلام يعم المكان..
لا بد من أن هذا المكان قرب هذا الهلال بداية لتلك الحياة التي روادت أحلامي منذ مدة.

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.