فضاء الساحات بشفشاون... ساحة وطاء الحمام - بريس تطوان - أخبار تطوان

فضاء الساحات بشفشاون… ساحة وطاء الحمام

بريس تطوان

إذا كانت هذه المدينة الجميلة حافلة بكثير من المعالم التاريخية كالأبواب، والمساجد، والأظرحة، فإنها حافلة أيضا بالساحات التي يقبل عليها الزوار وسكان المدينة ليستمتعوا بجمالها كساحة “وطاء الحمام”، و “ساحة الهوتة” اللتن تقعان وسط المدينة العتيقة، أما ساحة “الخصة” فتوجد في المدينة الجديدة خارج الأسوار.

ساحة وطاء الحمام

الصوعد إلى ساحة وطاء الحمام، يمر عبر عقبة تبدأ ب باب العين بشارع “السيدة الحرة”، وتمر بمسجد سيدي بوخنشة، وعين “باب الموقف” إلى أن تشرف بك على أشهر ساحة واسعة في المدينة، لقد كانت قديما ساحة مخصصة للسوق الأسبوعي يومي الإثنين والخميس حيث يفد عليها سكان البوادي من جميع المداشر القريبة ك “ماجو” و “تيسوكة” “ومشكرالة” و “أمجري” و “غاروزيم” و “أمهارشن” و “القلعة”، حاملين بضاعتهم على الحمير والبغال، منهم من يبيع الخضر كالطماطم والبطاطس والقرع والجزر واللفت واللوبياء الخضراء والبذنجان، ومنهم من يبيع الفواكه كالتفاح والبرتقال والمشمش والخوخ وحب الملوك، ومنهم من يبيع الحبوب طالزرع والقمح والذرة أو القطاني كالفول والعدس واللوبياء الحمراء و الحمص، وآخرون يبيعون الدواجن والمواشي والبيض الذي يحفظونه داخل سلات مملوءة بالتبن خوفا عليها من الكسر. كان هؤلاء الباعة لا يتعاملون بالميزان بل إن البيع يتم بـ “المعاينة”، خاصة في الخضر والفواكه والقطاني فتتم عملية البيع والشراء عن طريق التراضي والاتفاق على مبلغ معين.

ومن المعروف عند أهالي المدينة، في بداية الأمر، وقبل أن يتحول السوق بصفة نهائية إلى ساحة وطاء الحمام، أنه كان لهذه المدينة سوقان: داخلي، وخارجي؛ فالسوق الداخلي كان ينعقد كل جمعة في ساحة وطاء الحمام، أم السوق الخارجي فكان يسمى بسوق الإثنين، ويقام بساحة بجانب “باب السوق”؛ هذا السوق كان يفد عليه كثير من الباعة من جميع المداشر القريبة من المدينة للبيع الخضر والفواكه والدواجن والمواشي، وعند عودتهم إلى مداشرهم وقراهم يقتنون من المدينة بضائع كالأقمصة، والجلالبيب الصوفية، والمناديل، وأغطية الرأس بالنسبة إلى النساء، أو الأحزمة الجلدية، وغير ذلك من الحاجيات، كما كانوا يقتنون مواد أخرى كالشاي، والسكر، والزيت، والشمع، والغاز، وعود الثقاب.

توجد بهذه الساحة معلمتان تاريخيتان: “المسجد الأعظم” أو الجامع الكبير، والقصبة. بناهما مؤسس المدينة مولاي علي بن راشد، يتوفر المسجد على كل المرافق المعمارية من صومعة ثمانية الأضلاع وساحة داخلية مفتوحة تتوسطها نافورة وقاعة للصلاة وكتاب لتعليم القرآن.

أما القصبة فهي بناء فسيح كان يتسع لمقر إقامة مولاي علي بن راشد وعائلته الكبيرة، “يقال إن القصبة كان لها مخرجان سريان تحت الأرض، الأول من القصبة إلى جهة سيدي عبد الحميد، والآخر من القصبة نحو وادي الفوارات.

ويشتمل بناؤها على الأسوار والأبراج، ودور لسكن العائلة والحاشية والموظفين. والسجن الذي تثبت السلاسل والأغلال في حائطه، وثكنات للجيوش واسطبلات للدواب والخيل، وجعل لها باب من جهة المسجد الأعظم وباب جهة دبنة المخزن”.

كانت هذه الساحة خلال الاحتفال بعاشوراء تستقبل أفواجا من الناس يفدون عليها من مناطق بعيدة، فتنصب الخيام لعرض السلع المختلفة كالحلوى البلدية، ولعب الأطفال على اختلاف أنواعها، والكحل، وغيرها من السلع النادرة التي لا يراها الناس إلا في مثل هذه الأيام. إلا أن آلة فريدة كان الأطفال ينتظرونها ويتحلقون حولها ويتسابقون في الوصول إليها ليستمتعوا بها؛ إنها الناعورة الخشبية، يتزاحم عليها الأطفال ليركبوا في صناديق مربعة الشكل تسع لطفلين أو ثلاثة، وعندما تمتلئ عن آخرها، يشرع صاحبها في تحريكها، فترتفع الصناديق في الهواء، كانت الناعورة في حركتها تحدث أزيزا يختلط بضجيج الأطفال وضراخهم، وتدور الناعورة حول نفسها صعودا وهبوطا مدة طويلة إلى أن يوقفها صاحبها، فينزل الأطفال منها ليأتي فوج آخر من الأطفال يطلب كذلك لذة الاستمتاع بدوران الناعورة في الهواء، ولم يكن زبائن الناعورة من الأطفال فحسب بل كانوا من الشباب والكهول والشيوخ والنساء.

كانت بهذه الساحة “مجموعة من الفنادق التقليدية التي كان يرتادها الزافدون من البدو والحضر، مع بهائهم وسلعهم… وكان لكل فنيدق قيم يديره ويسهر عليه بالنظافة والتنظيم، مقل فنيدق “اشفيشو”، وفنيدق “اكريكش”، وفنيدق “السمار”، وفنيدق “اليهودي”، قرب زاوية سيدي بناصر.

أما اليوم، فهذه الساحة حافلة بالمقاهي والمطاعم والمتجر الخاصة التي تعرض مواد وسلع الصناعة التقليدية لاستقبال السياح من داخل المغرب وخارجه، ولم يبق من “السوق” إلا الذكريات الجميلة التي تحتفظ بها ذاكرة شفشاون، لقد تغيرت ملامح هذه الساحة وغدت مكانا يجذب السياح الذين يبحثون عن الراحة والهدوء؛ فعلى امتداد جنباتها تصطف المطاعم والمقاهي وتمتد إلى وسطها، ويكاد المرء لا يجد له مكانا فيها لتوافد الزوار عليها صباح مساء، لكن الليل في هذه الساحة يكون أكثر جمالا وذا نكهة خاصة متميزة حين يقبل عليها الناس بعد غروب الشمس؛ هذه الساحة المضاءة بالشموع التي توضع على كل طاولات المقاهي والمطاعم حيث يجلس زوار المدينة لتناول وجبة العشاء وارتشاف كؤوس الشاي “المنعنع”. يتنافس أصحاب المقاهي والمطاعم في اختيار الشموع مختلفة الألوان والأحجام، هكذا تظهر هذه الساحة وكأنها إحدى ساحات غرناطة أو إشبيلية بعد أن أضفت أضواء الشموع عليها جوا رومانسيا، وتبقى الساحة على حالها إلى وقت متأخر من الليل، ويبقى الزوار متحلقين على الطاولات، مستمتعين بجوهرة العقد في مدينة شفشاون.

الكتاب: شفشاون… ذاكرة المكان

الكاتب: عبد الواحد التهامي العلمي

المركز العربي للدراسات الغربية

 (بريس تطوان)

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.