فضاء التقاليد... المرأة الشفشاونية - بريس تطوان - أخبار تطوان

فضاء التقاليد… المرأة الشفشاونية

بريس تطوان

يروج بعض الناس أقوالا وأمثالا عن المرأة في شفشاون تحاول أن تقدم صورة عنها بعد أن ترسخت في المخيال الشعبي كصورة سلبية باعتبارها امرأة تلجأ إلى استعمال الحيلة والدهاء لأجل قضاء أغراضها، مثل ما داء في أحد الأمثال عنها: “مائة جنية وجنية ولا واحد الشاونية”. والحق أن هذا المثل الذي صنعه المخيال الشعبي من خلال تأويلاته المختلفة لا يقدم صورة حقيقية عنها بل صورة تهدف إلى تحقيرها والتقليل من شأنها؛ وعلى الرغم من جنوح هذا المثل نحو تأويلات مختلفة وتفسيرات عديدة، فالمرأة الشفشاونية تتصف بالذكاء وحذق الصنائع المختلفة كالخياطة والطرز وغزل الصوف، وتساعد زوجها وعائلتها للتغلب عن ظروف المعيشة. وهي معروفة بالجد والمهارة والكياسة والشجاعة والصبر والقناعة والحنان والتدين وقوة الشخصية وخير مثال على ذلك ما كانت تتصف به السيدة الحرة بنت مولاي علي بن راشد من ذكاء وحكمة وتبصر وشجاعة حيث تولت مسؤولية الحكم بمدينة تطوان مدة ثماني عشرة سنة تقريبا.

كانت فئة من النساء تعملن خارج البيت في ميدان البناء حيث كن يتكلفن بحمل مواد البناء على ظهورهن كالتراب، والجير، والآجر، والحجر، وكل ما يحتاجه البناء. ومن العادات المعروفة في مدينة شفشاون تشغيل النساء في تنظيف أحياء المدينة من الأزبال، ولم يكن الرجال يقومون بهذا العمل بل كان مقتصرا على النساء فقط. وكان بعضهن يقمن بجمع الحطب من الغابة، وحمله إلى المدينة بعد أن يقطعن مسافات طويلة فيقمن ببيعه للأفران البلدية، وأصحاب الحمامات. وتقدم فاطمة أولاد حمو يشو صورة عن عمل نساء شفشاون، تقول: “أتذكر نساء البلدة اللواتي تعودت ظهورهن حمل الأثقال المختلفة، مثل قنينة “البوطاغاز”… أكياس النفايات، أكياس الصخور المستخدمة في البناء، يحملنها كما يحملن أطفالهن الرضع طيلة النهار”.

أما الفئة الأخرى من نساء حاضرة شفشاون، فكانت تشتغل بغزل الصوف، ولا تصل النساء إلى الطور الأخير، أي الغزل، إلا بعد عدة مراحل: تنقية الصوف من الأعواد والأعشاب العالقة بها، فتنظيفها، ثم وضعها في الكبريت، أو ترسل إلى مصبغة لتلوينها. وقد تحتفظ بلونها الأبيض أو الأسود أو الأشهب، لتقوم النساء ب “قرشلتها” ب “القرشال”، ثم بعد ذلك تغزل بالمغزل وتجمع خيوط الصوف بواسطة ناعورة مصنوعة من الخشب أو القصب، وتجمع في شكل يسمى “يد الصوف”. هنا ينتهي دور المرأة ليتكلف الرجل بالخطوات الموالية فيسلمها إلى “الدراز” لتتحول إلى رقعة صوفية. وتكون إما رقعة صوفية. وتكون إما رقعة “جلباب محربلة” أو “عادية” أو “منديل” أو “بطانية”. ولكل نوع من هذه الأنواع “مرمته” أي نوله المناسب لحجمه.

إلا أن إقبال البنات على ولوج المدارس، خاصة بعد استقلال المغرب، فتح لهن المجال للتعليم والنهل من ينابيع العلم الثرة، وهكذا حققت المرأة الشفشاونية ذاتها، بانخراطها في العمل، بعد حصولها على أعلى الشهادات والدرجات العلمية، فأصبحت معلمة، وأستاذة، ومحامية، وقاضية، وطبيبة، وصيدلية، ومهندسة، وممثلة سينيمائية، وفنانة تشكيلية، مثبتة جدارتها وكفاءتها في كل هذه الميادين، لقد حققت المرأة الشفشاونية المعجزات، حين تحدت العراقل، وتغلبت على المثبطات، بإرادة قوية، وبعزيمة قل نظيرهما.

الكتاب: شفشاون ذاكرة المكان

الكاتب: عبد الواحد التهامي العلمي

المركز العربي للدراسات الغربية

(بريس تطوان)

يتبع…

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.