فرحة العيد..! - بريس تطوان - أخبار تطوان

فرحة العيد..!

الساعة تشير إلى الثامنة صباحا!
بعض الشذرات الرمضانية لا تزال منتشرة في جنبات البيت، وحدها مائدة الفطور تؤكد رحيل الشهر الفضيل، على عجل مفرط..
شلل في الحركة يبعثر أجواء العيد المعهودة… وصمت قاتل يطوق البيت خارجا..
أدير التلفاز لعلني أصطدم بوصلة موسيقية أندلسية توحي بقدوم العيد… وأسابق الزمن وأنا أتجهز بارتداء ثوب تقليدي.. قصد إضفاء لمسة عنوة.
ثم ماذا؟ التئام حول المائدة واتصالات بالفيديو مع كل أفراد العائلة وكأننا نحاول أن نخرج من دوامة الوحدة ونرتمي في حضن الجماعة… قبل أن ينصرف كل إلى جحره ويستسلم لنوم عميق.
السيناريو ذاته عاشته العديد من الأسر، وتكرر في كل بيت وكأنه اتفاق مسبق بينها وكأنها تعليمات تلقتها الأخيرة وأبت إلا أن تنفذها بحذافيرها..

من أهم طقوس الأعياد، لمة الأحباب والزيارات العائلية، إلا أن هذه السنة لم يكن الأمر كذلك.. غابت الطقوس ورافقتها شعائر صلاة العيد وعيدية الأطفال التي كانوا يجمعونها وهم يحومون حول بيوت الجيران والأقارب كالفراشات بحثا عن الرحيق…

جمال اللحظة التي يعود فيها الأب من المسجد صباحا وهو يتأبط سجادة الصلاة، ثم صوت الخطوات المهرولة التي تعزفها أقدام المارة بعد رجوعهم من المساجد… فرحة الأطفال بلباسهم الجديد وتباهيهم بثراءهم الفاحش بعد تلقيهم العيديات..
جمل التبريكات الحية، التي نحفظها عن ظهر قلب وتتلاسن بها النساء عند كل بيت مع زواره، تلك الجمل نفسها التي لا زال يخطئ فيها أبناء جيلي ويتعثرون وهم يحاولون الرد عنها…
تجمعات هنا وهناك، لمات في كل مكان، ضجيج سعيد وبهجة استثنائية…

كل هذا وذاك، كان مجرد حلم عقيم هذه السنة، العيد لم يكن سعيدا بما يكفي ولم يشهد الفرحة نفسها التي تعودنا عليها… كل الفرح كان مفتعلا ومصطنعا… وحدها تنهيدات الأماني طغت على كل قلب وأرغمتنا عن التظاهر بسعادة المناسبة السنوية والشعيرة الدينية، امتثالا لقوله تعالى: “ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ( الحج 32)”.

أ لهذه الدرجة يرتبط الإنسان بالجماعة؟ أ لهذا المدى يتعمق الإنسان بطبعه الاجتماعي؟
لم أكن لأتأكد من هذا لولا اللحظات التي عشتها يوم أمس، والتي عايشتها من خلال الاختلاط الإجتماعي على وسائل التواصل، الكل كان يشهد بالملل الذي طوقه يوم العيد والكل كان يتحسر على أبسط اللحظات وأصغرها، تلك التي لم ينتبه لها أحد إلا بعد أن افتقدها مرغما..!
حقيقة الانسان، التي تفيد طبعه الإجتماعي، تأكدت يوم أمس، كغيرها من الحقائق التي لم نكن سندركها لولا الأزمة الاستثنائية التي نعيشها، تلك التي أرخت بظلالها على كل النواحي ونزف على يدها الجانب الاجتماعي بقوة.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.