شفشاون والشاون بين فصاحة التأصيل والتسهيل (الحلقة الثانية) - بريس تطوان - أخبار تطوان

شفشاون والشاون بين فصاحة التأصيل والتسهيل (الحلقة الثانية)

اسم شفشاون أورده كذلك سيدي الحسن الريسون (المتوفى سنة 1055) مؤسس الزاوية الريسونية بشفشاون التي تحتضن ضريح السيدة الحرة بنت مؤسس المدينة. في مؤلفه “فتح التأييد في مناقب الجد وأخيه والوالد” يكشف سيدي الحسن عن الهالة التي كانت تحظى بها غنائم الجهاد إذ “كانت تدخل قرية شفشاون على يد ولاتها الأشراف بني راشد وكان لهم اعتناء بذلك جدا ويدخلونها البلد في أبهة عظيمة…”.

بعد انهيار الإمارة الراشدية بقرن تقريبا (حوالي سنة 1080)، زار المدينة الإمام المحقق أبو علي سيدي الحسن بن مسعود اليوسي ونظم قصيدته الشهيرة:

“شفشاون مأوى الشمم *** والمجد عن طول الأمم”

في القرن المواي وفي سيرته الذاتية الموسومة “ثمرة أنسي في التعريف بنفسي”، يروي النقيب الشاعر المشارك ابن البلدة الشريف أبو الربيع سيدي سليمان الحوات (المزداد سنة 1159) في سياق قدومه إلى فاس “… لما انتقلت من شفشاون مسقط رأسي وآبائي الأتربين إلى حضرة فاس مظهر سر أسلافي الأولين…”.

استمر أعلام المدينة الأصليون في النهج نفسه بتمسكهم باسم شفشاون في توثيقاتهم، إذ حبس القاضي محمد بن محمد البرنوصي في رسم بتاريخ 2 ذي الحجة 1194 جميع ما في ملكه من الكتب على أولاده لكن “…إن انقرض الجميع رجعت للمسجد الأكبر بشفشاون ينتفع بها طلبة العلم بالمطالعة والمدارسة والمناسخة…”.

سلك القاضي الشاعر، المتوفى سنة 1209، عبد الكريم بن عبد الملك الروديغي الخيراني طريق أسلافه، وهو المنحدر من إحدى أعرق الأسر الشفشاونية التي حلت بالمدينة في العهد السعدي، فجادت قريحته بقافية طنانة جاء فيها:

“أشفشاون ما أنت إلا عروسة *** بديعة حسن خدها كالشقائق”

بدوره تشبث سليل الأسرة العمارتية الشفشاونية العريقة القاضي الحسن بن الحاج محمد العمارتي باسم شفشاون في رسومه حيث أثبت في أحدها بتاريخ 26 ربيع الثاني 1352 “… بإمضاء المناقلة في الخربة المنسوبة للزاورية التهامية الوزانية الشفشاونية الكائنة هي أي الخربة بحومة الخرازين من شفشاون…”.

لم ينحرف مؤرخ شفشاون العلامة الشاعر عبد السلام بن القاضي عبد القادر الحضري الأندلسي المتوفى سنة 1419 (وفاق 1998م) عن سكة أسلافه الشفشاونيين الأعلام فصفف أبياتا في مسقط رأسه مطلعها:

“أشفشاون قد خلناك في الأرض جنة *** تحف بها الأشجار والظل والنهر”

في مجال البحث العلمي الجامعي، أصدر الفقيه المؤرخ عبد القادر بن علي العافية كتابا بعنوان ” الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية بشفشاون وأحوازها خلال القرن العاشر الهجري”.

هكذا تعاقب أعلام عاصمة الإمارة الراشدية الأصائل، في حقب زمنية مختلفة، في تدويناتهم وتوثيقاتهم على تغليب استخدام اسم شفشاون بدل تسمية الشاون.

هذا التواتر المتوارث يكاد يرقى إلى مرتبة الحجة اللغوية ويكسب الباحث معيارا فارقا للخلوص إلى أن شفشاون هو الاسم الكامل الأصيل الفصيح والشاون اختصار له معتمد في اللسان العامي اليومي.

من القرائن الدامغة التي تعضد قطعا هذا الطرح ما أورده الإمام الرحالة المحدث القاسم بن يوسف التيجيبي السبتي (المتوفى سنة 730) في مؤلفه “مستفاد الرحلة والاغتراب” من وجود قرية تحمل اسم شفشاون مكتملا بالمملكة المغربية بمنطقة حاحة تحديدا.

كتاب “من تاريخ شفشاون” (الجزء الأول)

للمؤلف طه بن فاروق الريسوني

تصدير: عبد الله ساعف

بريس تطوان/يتبع

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.