سفراء تطوان في عهد المولى محمد بن عبد الله… سفارة الكاتب والوزير محمد بن عثمان (1) - بريس تطوان - أخبار تطوان

سفراء تطوان في عهد المولى محمد بن عبد الله… سفارة الكاتب والوزير محمد بن عثمان (1)

ادخال السفير محمد بن عثمان المكناسي ضمن سفراء تطوان هو من موقعه كعامل على تطوان وكوزير للخارجية المغربية بهذه المدينة التي كان يباشر فيها مهامه الدبلوماسية كما سنرى فيما بعد، ولكون البعثة السفرية الى مالطا ونابولي ترأسها ضمت عضوين من أعضائها ينتسبان إلى تطوان وهما الفقيه العلامة عبد الكريم بن قريش، والتهامي البناي اللذين أتينا على ذكرهما سابقا.

كان كاتبا خاصا للسلطان محمد بن عبد الله، وكان عالما فذا، وأديبا، وباحثا، دون جميع رحلاته التي سفره إليها السلطان، فكان يسجلها تسجيلا أدبيا رقيقا كفن من فنون أدبيات الرحلة التي أجاد فيها وأبدع، يأتي على وصف المشاهد التي يراها ببراعة.

خص له الكاتب محمد الفاسي بحثا مطولا عن حياته، ومناصيه التي تقلدها والسفارات التي قام بها لتعزيز دور المغرب مع جيرانه في أوربا انطلاقا من إسبانيا ونابولي ومالطة و انتهاء بتركيا.

ويعيب الفاسي على مؤرخي المغرب خصوصا ابن زیدان والناصري الإهمال والتقصير في التعريف بهذه الشخصية.

ويعد محمد بن عثمان ثالث السفراء المغاربة بعد الحاج محمد تميم ومحمد على أبغلي ينجح في تمتين العلاقات المغربية الأوربية، فقد حظى بهيبة واحترام كبيرين من ملوك أوربا الذين استقبلوه بحفاوة قل نظيرها في غيره، وأيضا من القناصل الأوربيين بطنجة لما أصبح له شأن كبير حينما عينه المولى سليمان عاملا على تطوان ومفوضا باسمه، يعدل منصب وزير الخارجية، وشهرة محمد بن عثمان.

السفير تقوت من الكتابات والدراسات التي تناولها كتاب أجانب عن نشاطه الدبلوماسي المتعدد الأهداف والغايات وأيضا من كتاباته الإبداعية الراقية عن المشاهد والأوصاف التي دونها في كتبه.

كانت أول سفرة له في سنة 1193 هـ – 1779م إلى إسبانيا مبعوثا من السلطـان محمد بن عبد الله التي ابتدأت يوم 20 شوال عام 1193 هـ 20 نونبر 1779 م، عبر مدينة سبتة، ثم قاديس، فمدريد، حتى وصلها مساء يوم الأربعاء 4 محرم عام 1194 هـ ( 11 يناير 1780 م) بعد زيارته لمدن الأندلس ولمآثرها الكبرى، وساح في مدريد، فجال في أحيائها وتنقل بين المدن القريبة منها، وأكثر من مشاهدة المنتزهات والقصور الملكية وبين حرارة الاستقبال وحفاوة الترحيب وحسن الضيافة عرج على مدينة .. شقوبية .. التي كانت محطة إيواء الآلاف من أسرى المسلمين من الأتراك والجزائريين فطلب زيارتهم لتوزيع الصلات والهبات عليهم بأمر المولى محمد بن عبد الله وخصت مدينة.. ارنخويس .. في رحلة ابن عثمان باهتمام كبير لكونها في تلك الفترة كانت ..الإقامة الملكية.. لكارلوس الثالث فقضى في ضيافته شهرا كاملا، حضر معه كل الحفلات الرسمية والوطنية وخصوصا ألعاب الثيران، فترسخت العلاقة بين السفير والملك، ولا غرابة في ذلك حينما علق المؤرخ الفرنسي “شيني” الذي كان قنصلا لفرنسا بالمغرب. (إن هذه السفارة ساهمت في تغيير الوضعية السياسية بأوربا،) وخص لها المؤرخ الإسباني ارياس بالاو” الذي نشر بشأنها بحثا مطولا وعنه نقل محمد الفاسي جل أبحاثه عن السفير ابن عثمان .

وأيضا كانت مكانا لتوقيع إتفاقية الصداقة بين البلدين والمسماة “إتفاقية أرنخويس” التي لم يستطع الباحثون والمؤرخون من معرفة نصها العربي بل كانت النسخة الإسبانية هي الشائعة ومنها نقل كل الباحثين الغربيين مضامنها وأيضا المغاربة في كثير من المصادر الأجنبية، إذ لم تكن الوثائق المغربية تتوفر عليها سواء في مصادرها الرسمية أو الخاصة حتى عثر على نسخة منها المؤرخ الباحث الاسباني “ماريانو ارياس بلاو” ونشرها بمجلة تمودة سنة 1958 وقد كانت محفوظة في الإرشيف التاريخي الوطني بمدريد.

ومعلوم أن هذه الاتفاقية جاءت بعد إتفاق سابق بين المغرب وإسبانيا الموقع بينهما بتاريخ دجنبر 1774، بشأن مدينة مليلية، وقعها من الجانب المغربي السفير أحمد الغزال ومن الجانب الإسباني خورخي خوان، ومن ثمرتها أن تحسنت العلاقات بين البلدين، فكانت عاملا أساسيا على إرسال السفير محمد بن عثمان إلى إسبانيا وتوقيع اتفاقية 30 ماي 1780 م ( 16 جمادي الثانية عام 1195) المسماة باتفاقية – أرانخويس – نسبة إلى المدينة الإسبانية التي وقعت بها.

ولأهمية هذه الاتفاقية التي تضمنت خمسة فصول نثبت أصلها العربي سدا لفراغ هذه الوثيقة في المراجع المغربية وتعميمها للفائدة ومعرفة نوع القضايا الثنائية التي كانت تشغل بال الحاكمين في هذه الفترة، وهي أيضا توضح نوعية الصراعات التي كانت قائمة بين إسبانيا وانجلترا، وأرادت اسبانيا أن تجر المغرب لجانبها وتنزع منه عدم مساعدة انجلترا من مؤن وغيرها تجلبها لجبل طارق، حتى تضغط اسبانيا أكثر لاسترداد الصخرة، وبقدر ما كانت تفكر في استرجاع جبل طارق بقدر ما كانت تتجاهل مطالب المغرب في استرجاع سبتة و مليلية، مما هو عليه الحال إلى الآن .. وهذا نص الاتفاقية:

((إنه لما وصل إلى حضرة مدريد السيد الشريف محمد بن عثمان قاصد ووكيل سلطان الغرب (عوض المغرب) عرض على سلطان اصبانية أوامر مولاه الممضية منه، التي قلدها له لكي يتفاوض بشأ نها مع الوزير الأعظم. فأمر السلطان المذكور إلى- قنطي فلريدة بلنقة – بأن يجتمع مع البشطور السيد محمد ويتفاوض معه باسم السلطان وما يتفقا عليه يحرر ويكتب حتى يكون الاتفاق كاملا دايما بين ملك اسبانية وملك الغرب على محبة وهدنة لا تزال ولا تتبدل لا بينهما ولا بين رعاياهما، ثم لما تم الاتفاق بين الوزير والبشطور وعرض ذلك على حضرة السلطان ورضی به فزاد على ما اتفقا عليه بعض ظروف لازمة لإثبات الصلح بين الملكين وذلك باتفاق السيد المذكور أعلاه على هذا المنوال. صـار الاتفاق:
مابين ذو الشرف السيد يوسف منينو قنطي فلوريدا بلنقة ذو الوزارتين وزير الأعظم القائم الامين مراسلات المكاتيب برا وبحرا في ملك اصبانية والهند والمشرف على تعديل دروب السفر في ساير اصبانية وبين السيد الشريف محمد بن عثمان قاصد ووكيل سلطان الغرب ومفوض أوامره عند سلطان اصبانية وذلك بقوة سلطانهما…

الكتاب: سفراء تطوان على عهد الدولة العلوية

للمؤلف: محمد الحبيب الخراز

(بريس تطوان)

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.