سعد الدين العثماني وسياسة الأكل على مائدتين - بريس تطوان - أخبار تطوان

سعد الدين العثماني وسياسة الأكل على مائدتين

استنجد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية من فصل تعرض الحسنات والسيئات (مجموع الفتاوى-المجلد العشرون)، وذلك بغية إسكات الأصوات الغاضبة  داخل حزبه التي  اعتبرت توقيعه على الاتفاقية الثلاثية بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، التي من شأنها التأسيس لعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل،واتفاقيات تجارية بملايين الدولارات في قطاعات ومجالات مختلفة،خيانة للمرجعية الإسلامية  للحزب، وتنكر صريح لمواقفه المعلنة من القضية الفلسطينية.

الفتوى المشار إليها أعلاه، تقضي بكون” الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها،وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها “ترجح خير الخيرين وشر الشرين ، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما”.كما تعتبر الفتوى المذكورة جزء من منظوره الفقهي الذي اتسم بالنصية في الفهم وبالتشدد إزاء باقي المذاهب الإسلامية، مما جعل الحركة الوهابية تتبناه في مرحلة أولى قبل أن يصبح المرجع الأول للجماعات الإرهابية  التي تجد في كتاباته ضالتها لإشباع نوازع سفك الدماء.

فضمن الفتوى التي استنجد بها الفقيه العثماني،  يجيز ابن تيمية “تقديم قتل النفس على الكفر”  بحيث “.تقتل النفوس التي تحصل بها الفتنة عن الإيمان لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس”.والخطير في هاته الفتوى التي تبيح قتل كل من  قد يتهم الفتنة، غلبة الطابع الفضفاض والعام، وغياب أي تدقيق لمعنى الفتنة: أهي اعتناق ديانة أخرى؟أم اعتناق مذهب إسلامي آخر لا ينظر إليه ابن تيمية وأتباعه بعين الرضا(المعتزلة أو الصوفية مثلا)، أم  عدم الإيمان بالديانات السماوية عامة؟. والنتيجة  هي أن هاته الفتوى تتعارض كلية  مع حرية المعتقد، وتقوم بمقام “سوبر مارشي ” كبير للفتاوى المتطرفة التي  تفي لكل الأغراض وكل البروفايلات التي تجنح للتشدد والعنف.

الأكل على مائدتين

جاء استشهاد العثماني بفتوى ابن تيمية  تصريفا فقهيا لتخريجة  المرشد بنكيران حول نفس الحدث والتي تحاول الاستنجاد ب”فقه المضطر” (أي من ارتكب معصية أو حراما، ولكنه كان في موقع المغلوب على أمره) لإسكات المنتقدين داخل الحزب والمتعاطفين معه.وهو ما عبر عنه بنكيران  من خلال شريط قصير: الملك هو الذي يتخذ القرار في هذا المجال، واتخد القرارات التي اتخد”. وهو بذلك الموقف لم يأت بالجديد. فلقد ظل بنكيران ترؤسه للحكومة يردد في خطبه وتصريحاته  ما معناه أنه كرئيس للحكومة مجرد موظف لدى الملك وبأن للأخير كافة الصلاحيات. ولما يقوم بنكيران بتلك المغالطة المقصودة المتمثلة في تجاهل المقتضيات والصلاحيات الجديدة التي أتى بها دستور2011 لفائدة رئيس الحكومة، فلأنها كانت تسعفه  وإخوانه  في التملص من القرارات اللاشعبية التي اتخذها ( ملف التقاعد، تحرير ثمن البترول مثلا)، أو من ضعف الكفاءات لديهم، وسوء تدبيرهم لبعض الملفات وتجعل الملك درعا يحميهم من أخطاءهم أو قصورهم في تدبير ملفات البلاد، ولكن في نفس الآن سمح ذلك الخطاب لبنكيران ولإخوانه بأن ينسبوا لأنفسهم كل الانجازات التي قامت بها الحكومة آنذاك.

إذن وبالنظر لجسامة الحدث، فإنه من المفهوم ومن الطبيعي أن يستشيط  مناضلو حزب العدالة والتنمية غضبا وألا يستسيغوا انزياح زعيمهم، عن إحدى  الثوابت  التي تربوا عليها من قبيل أن الصراع مع إسرائيل “صراع وجود وليس صراع حدود”، وبأن جوهر الصراع “هوياتي “يعود  لقرون وأحداث موغلة في القدم بشبه الجزيرة العربية لما لم  يكتفي اليهود بعدم الإيمان برسالة الرسول محمد (ص) بل استهجنوها. لذا لا زال إخوان بنكيران ليومنا هذا يهتفون في بعض التظاهرات، إلى جانب باقي تيارات الإسلام السياسي، “خيبر خيبر يايهود، جيش محمد سيعود”.

لكن ما لايقبله عاقل هو استنجاد  رئيس حكومة بنصوص تراثية  قصد الإجابة على إشكاليات جيوسياسية معاصرة من قبيل حسابات الربح والخسارة في الاعتراف بإسرائيل والتحالف المغربي الخليجي في مواجهة المشروع الإيراني التوسعي، وتطورات قضية الصحراء بارتباط مع سباق التسلح في الجزائر…الخ.  فلما يحضر الفقيه العثماني رفقة وزراء العدالة والتنمية مجلس الوزراء أو لما يترأس مجلس الحكومة لمناقشة أو البث في الملفات الآنية والمستقبلية التي تهم البلاد والعباد،أو لما يمثل المغرب لدى إبرام اتفاقيات تجارية أو تعاون مع بلدان أجنبية، ولما يمتطون المرسيديسات الفخمة، وينعمون بمخترعات الحضارة الغربية “الكافرة” فإنهم يتصرف بمنطق العصر ويخضعون ل”إكراهات” المرجعية الحديثة، ولغة المصالح التي تحكم عالم الاقتصاد والسياسة.بالمقابل، لما يخاطبون مناضليهم الذين يحشدون بغية التصديق  على قراراتهم  والتزاماتهم مع الدولة يلجئون لفتاوى ابن تيمية؟ ألا يعبر ذلك عن احتقار لذكاء وقدرة قواعدهم في فهم التحولات في السياسة الدولية والإكراهات التي تفرضها على المغرب لحماية مصالحه؟

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.