رواية “التطاونيات”… جنان بريشة - بريس تطوان - أخبار تطوان

رواية “التطاونيات”… جنان بريشة

بريس تطوان

المشهد الثاني عشر: جنـــان بريشــــة

في إحدى ليالي الشتاء وبينما حليمة نائمة سمعت صوت أبيها يناديها وهو يقول: حليمة..حليمة…

استيقظت فزعة وقالت: ماذا يا ابي؟

قال “سي سلام”: لقد رأيت أمك في المناموقالت لي أنهامازالتحية ترزق وأنها موجودة معنا بتطوان، لكنها محتجزة بإحدىالدور خارج أسوار المدينة العتيقة، كما طلبت مني بإلحاح أن لا نتخلى عنها.

لم تعرف حليمة ما تقوله، فتقدمت إلى أبيها وناولته كوبا من الماء الذي كان بجانب فراشه ثم قالت: إن هذا الحلم يا أبي أنا أيضاأرى مثله من حين لآخرفي منامي، وكانت أمي تقول لي فيه إنها معتقلة بمنزل واسع هنا بتطوان.

قال السي سلاَّم: هل يمكنك أن تذهبي معي غذا لنتفقد حي “عقبة الحلوف” وجنان ابريشة الذي تكلم عنه ذاك “الأستاذ المتشرد” لعلنا نعثر على آثار أمك؟

قالت حليمة: غدا صباحا لي بعض الحصص من الدروس سأحضرها وعند عودتي نذهب لعلنا ننهي هذا الكابوس.

في المدرسة لاحظت حليمة أن عديدا من التلاميذ يتحدثون عن اختطاف بعض أقاربهم، وأثار انتباهها أنهم يجمعون أن هؤلاء المعتقلين موجودون “بحي عقبة الحلوف” بمنزل كبير محاط بجنان يدعى “جنان بريشة”. تذكرت حليمة ما قاله أبوها هذا الصباح بأن فطومة تخاطبه في المنام وتقول له أنها بمنزل واسع بتطوان. كما تذكرت حليمه ما قاله “الأستاذ المتشرد” عن جنان بريشة وكذلك جدها عبد الصبور. استفسرت حليمة كثيرا عن “جنان بريشة” وتحققت من موقعه، وعند عودتها إلى المنزل صعدت لبيت أبيها فلم تجده وبحثت في المنزل فلم تعثر عليه ثم خرجت من المنزل وإذا بالبقال الموجود بجانب المنزل قال لها إن أباك خرج وتوجه إلى حي المحنش وقال لي أن أبلغك بأنه ذاهب إلى حي عقبة الحلوف. ذهبت حليمة مسرعة إلى عقبة الحلوف مارة بحي المصلى ورياض العشاق ثم مرت من محطة القطار ومعمل السكر فإذا بها تقترب من منزل شاهق فقالت هذا هو “جنان بريشة” كما وصفوه لي أصدقائي بالمدرسة. جنان بريشة هذا هو عبارة عن منزل مكون من ثلاث طوابق وله باب كبير أمامه ساحة كبيرة بها أشجار ومحاطة بسور قصير. وخارج السور توجد أشجار وقصب كثير وعشب كثيف يعرقل السير. وبريشة هي عائلة استوطنت بتطوان وكان لها منزل وقصر داخل المدينة العتيقة وهذا الجنان خارج أسوار المدينة. وكان هذا دأب أهل تطوان بحيث إن لهم دارا بالمدينة العتيقة و”جنان” يطلق عليه “لعزيب” خارج أسوار المدينة.

من بعيد بدأت حليمة تنظر إلى جنان بريشة وبالخصوص إلى المنزل الشاهق، انتابها إحساس بخوف غريب، فالنظر إلى هذا المنزل يشعرك بخطر رهيب يحدق بك وكأن أشباحا تخرج منه وتتحلق حولك. لم تكترث حليمة لهذه الأحاسيس  وبدأت تقترب من المنزل بخطوات بطيئة ثم اتجهت نحو الباب الأول فوجدت به قفلا موضوعا بعناية. فانتقلت بخطى حذرة من أمام المنزل إلى خلفه عبر الجهة الشمالية.  وهي تمشي، فبدأت تسمع كلاما وصراخا وكأنه يأتي من مكان بعيد ولكنها لا ترى أحدا. التفتت إلى نافذة في الطبق الثالث ففوجئت برجل في الستينات ينظر إليها وعليه علامات الخوف الشديد وكل مرة يلتفت إلى الوراء وكأنه خائف من أحد موجود داخل المنزل سيلتحق به، وبدأ يلوح بورقة ويعمل حركات دون أن يتكلم. فهمت منها حليمة أنه يريد تسليمها تلك الورقة وأنه مراقب ثم رمى بالورقة فأخذتها حليمة وأشارت للرجل بأنها قد توصلت بها فارتسمت على محياه ابتسامة عريضة. وبينما هما يتبادلان الابتسامات اذ سُمع صوت طلقات نارية مدوية على الحائط بجانب تلك النافدة التي كان ينظر منها الرجل، ربما كان هو المستهدف ليبتعد عن النافذة، فاختفى ولم يعد يرى. خافت حليمة من صوت الرصاص فطلقت رجليها للرياح وبدأت تجري بسرعة مبتعدة عن داربريشة ومتجهةنحو محطة القطار حيث يوجد الشارع الكبير الذي به رياض العشاق. وبينما هي تجري داخل الأعشاب والقصب والأشجارتعثرت بجثة إنسان ملق على وجهه وسقطت على الأرض، وبدأت تسمع أنين إنسان يتألم اقتربت منه بخطوات بطيئة وجدته ستيني مضروبا على رأسه وتسيل الدماء من قدميه، اقتربت منه أكثر وقلبته ليرى وجهه فإذا به أبوها سي سلاَّم !!!!

صاحت قائلة: أبي..أبي مابك… أبي من فعل فيك هذا؟

قال بصوت خافت يكاد يسمع: ابنتي انت هنا ساعدني على النهوض، ولنهرب من هنا ربما أمك معتقلة في هذا المنزل الشاهق.

ساعدته حليمة حتى سار واقفا ثم وضعت يده اليمنى على كثفها وبدآ يسيران بخطوات بطيئة نحو محطة القطار ومن هناك ركبا حافلة إلى مستشفى سانية الرمل. وبعدما أخد الإسعافات الطبية اللازمة التحقا بالمنزل.

قالت حليمة: لماذا ذهبت إلى ذلك المكان بالضبط؟

قال: كنت أنظر من النافذة وإذا برجل يهدد أحد الشباب ويقول له عليك أن تكون معنا وإذا رفضت فسنختطفك ونعتقلك في جنان بريشة الموجود بعقبة الحلوف ويكون عقابك شديد، وتذكرت أن أمك كان يطلب منها أن تنخرط في أحد الأحزاب وكانت ترفض ذلك بقوة. وقلت مع نفسي هذا هو سبب اعتقالها. وذهبت مسرعا إلى ذلك الحي بعدما تركت وصاية لك عند البقال إلى اين أنا ذاهب.

قالت: لكن من فعل فيك هذا، ومن ضربك؟

قال: عندما اقتربت من ذلك المنزل الكبير وقفت أمام الباب أتأمل لعلي أجد أحدا يرشدني. وبدأت أطل من ثقب الباب لعلي أرى أمــــــك، فــــــإذا بي أرى شيئـا غريبــا، رأيت رجالا يعذبـون ويضربون وآخــرون مسجونون بطوابـق علوية يطلون على الساحة التي يعذب فيها أصدقاؤهم وهم في حالة من الهلع والخوف يرثى لها. وعندما اقتربت أكثر من الباب فتحت فجأة وإذا بأربعة رجال طوال وأقوياء يسالونني ماذا تفعل هنا؟ قلت لهم أنني ابحث عن زوجتي فطومة، فأجابني أحدهم وهل تعلم أننا لنا نساء هنا؟ فلطمني لطمة رأيت نجوم السماء ثم بدأوا يضربونني ضربا مبرحا فطلقت رجلاي للرياح وجريت بكل قواي حتى ابتعدت عنهم وعندما توقفت أغمي علي ولم أع بنفسي حتى أتيت أنت.

الكتاب: التطاونيات

للمؤلف: د.عبد الوهاب إيد الحاج

منشورات جمعية التراث والتنمية والمواطنة

(بريس تطوان)

يتبع…

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.