تطوان مدينة أندلسية مغربية.. روح الأمكنة  (2) - بريس تطوان - أخبار تطوان

تطوان مدينة أندلسية مغربية.. روح الأمكنة  (2)

بريس تطوان

وكان الازدهار الاقتصادي الذي غالبا ما أنكره المؤرخون المغاربة أنفسهم لما لاحظوا ركود القرن التاسع عشر، من أقوى عوامل التماسك الاجتماعي. وزهت الصناعة التقليدية، وكانت المدينة محور التجارة الجهوية التي كانت تشع منها كما يدل على ذلك ملتقى الممرات التجارية فيها. ولقد نسي حتى سكان تطوان أنفسهم اليوم، دور مدينتهم خاصة كميناء هام كان في إحدى فترات تاريخها أول ميناء في المغرب ضربت سفنه في آفاق البحر، وامتدت علاقاته التجارية إلى أعماق إفريقيا. وفي ميدان الجهاد البحري، تمكن هذا الميناء في أحد عهوده من منافسة سلا أو الجزائر. وكان اسمه معروفا من أمستردام إلى اسميرنه ومن لندن إلى تومبوكتو.

ولم تمح المدينة الحديثة الحالية الآثار القديمة لتاريخها، وهي المدينة التي تضاعف عدد سكانها عشر مرات، والتي أنشئت إلى جانب الحاضرة القديمة ولم تبدل أو تمتزج بها. وداخل أسوارها حافظت المدينة على الطابع المزدوج لأصلها الأندلسي وقرنها الذهبي (1680 – 1780) المطبوع بالتأثيرات العثمانية، وعلاوة على هذه الشواهد المادية التي حافظت، ونحن نستقبل القرن الواحد والعشرين، على إطار حاضرة أندلسية ترجع إلى عصر النهضة، استمرت الثقافية والفولكلور والأساطير التي تشكل أصالة طبع التطواني.

وتطرح هوية التطواني بالنسبة لعقليته وبالنسبة لعقلية الآخر إشكالا دائما يتعلق بوعيه التاريخي، والتطواني معتز بتاريخه وبخصوصيته، وكان وما يزال غير مفهوم من طرف “الآخر”. وترجع أصول عدم الفهم هذا إلى فترة إعادة التأسيس. ويجمع التطواني بين الفردانية والروح الوطنية، وهو يشعر بأنه غير مفهوم وغير محبوب ومعنف بل مهدد ومستهدف دائما. وهو يريد أن يكفي نفسه بنفسه وألا يعول إلا على نفسه، وهو ما يفسر ميله إلى التقشف والاستقلال الذاتي سياسيا. ولقد عزز هذه الفردانية الاندماج الاجتماعي وتماسك الحضريين الكبير.

ولقد وصف المؤرخ محمد داود، وهو تطواني من أصل أندلسي، طبيعة المدينة وروحها، وإن سكت عن الاضطرابات والتطرف والشقاق، ورسم صورة مبتذلة للتطواني وهو يعيش في مدينة فاضلة: “نعم إن تطوان لم تكن غنية، ولم تفكر فقط في أن تزاحم كبريات مدن المغرب في الثروة والكبر والضخامة والكثرة، ولكنها عرفت دائما كيف تعيش عزيزة الجانب، موفورة الكرامة حسنة السمعة بالرغم من ضعف اقتصادياتها، وفقر القبائل المحيطة بها، فكان القليل فيها مقنعا كافيا، والضعيف لطيفا ظريفا والصغير نقيا نظيفا، والغني مقتصدا مدبرا، والحياة وديعة يسيرة، والأعمال متقنة منظمة، لذلك كله كان سكانها أمنين مطمئنين، راضين مرضيين، وتلك هي السعادة لدى العقلاء الموفقين، والحمد لله رب العالمين”.

ولقد أردنا الاستشهاد بهذه السطور التي تلخص تعريف الروح التطوانية، وهو تعريف تطواني واع بأصله ومفتخر به، وفي الحقيقة، فإن هذا النص المكتوب سنة 1959، يظهر ثبات صورة لها هنا قيمة عنصر تاريخي. هكذا يريد التطواني الميسور والمثقف نفسه، وهكذا رآها ورأى مدينته في منتصف القرن الماضي. إنه تحول أسطورة الأندلس وإنشاؤها ثانية في أرض المغرب، ومن نظرات مختلفة المصدر قد تتولد صور أخرى أكثر رومانطيقية أو أكثر واقعية. إلا أن محمد داود أجاد إبراز جوهر شخصية التطواني القائم على الشعور بجديته وباعتزازه بالقيم الانسانية والسامية التي كانت تغمره، ألم يكن هذا الشعور هو نفس الشعور الذي كان يحس به أسلافه الأندلسيون عندما نزلوا في الأرض المغربية حيث أعادوا تأسيس ديارهم في حاضرة جديدة؟

ولقد أغنوا هذه الحاضرة بكل ما زودتهم به التربة المغربية، وأغنوها كذلك بكل التأثيرات التي وصلتهم عرضا من أروبا وكذا عن طريق ماجريات  التجارة مع هذه القارة القريبة التي كانت غريبة عنهم ودائمة الحضور في نفوسهم في ذات الوقت، كما أغنوها بما وصلهم من بلاد المشرق البعيدة عنهم والمتصلة بهم بواسطة الدين أوثق الاتصال.

العنوان: تطوان الحاضرة الأندلسية المغربية

المؤلفين: جون لوي مييج/امحمد بن عبود/ نادية الرزيني

منشورات جمعية تطاون أسمير

(بريس تطوان)

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.