تطوان... الغناء والطرب النسوي عند السيد عبد السلام ابن ريسون - بريس تطوان - أخبار تطوان

تطوان… الغناء والطرب النسوي عند السيد عبد السلام ابن ريسون

بريس تطوان/يتبع…

واعتقد انه استفاد من الأنغام المشرقية التركية التي جاءت مع الجواري مثل (إقبال) – جارية الحاج العربي بريشة – و(روزة) و(كنزة) كلهن من الشركس أحضرهن الحاج العربي بريشة من مصر عام 1295 هـ – 1878 فكن يعزفن بإتقان على مختلف الآلات كالقانون، والعود، والكمنجة، والبيانو، ويحضرن السهرات الموسيقية – وطبعا في أماكن تعد لهن، – إذ كان الاختلاط محرما وغير مسموح به آنذاك – التي يحيها السيد، فكان لجواري الشركس أثرهن في تطور الغناء بين نساء تطوان، من زوجات أصفياء السيد وأبنائهن مما جعل أسلوب الغناء عندنا يجمع بين الأنغام المغربية الأندلسية والأنغام الجزائرية الغرناطية والأنغام الشرقية التركية والعربية.

وقد كانت لسيدي عبد السلام ابن ريسون عدة رحلات وجولات ونزهات خارج مدينة تطوان سجلها الأديب سيدي المفضل افيلال في مذكراته، ونقل البعض منها محمد داود في تاريخه ومنها هذه النزهة لعام 1274 يقول فيها نزهة:

في يوم الاثنين 13 شعبان الأبرك عام 1274، خرجنا من تطوان مع شيخنا البركة سيدي عبد السلام بن ريسون وعنا جملة من أعيانها وأدبائها وأرباب الطرب، وذهبنا إلى جنان ابن المفتي بموضع يدعى الطويلع خارج باب المقابر، أقمنا ثلاثة أيام قطعنها في بسط وسرور، وقرأنا همزية المديح من الأول إلى الختم، بالطبوع والنغمات، والإنشاد والطرب العجيب، من عود ورباب وكامنجا وقانون وطار ونحو ذلك، وكان القائم بهذه النزهة الأمين سي محمد بريشة بالغ من إتقان البساط والمشروب والمأكول، وتمتع القوم في العنبر، تطبيبا وشربا وبخورا، وحضر معنا غلام فاسي يدعى إدريس بنونة له صوت حسن نتقن للطبوع والنغمات للغنة الإدريسية.

وفي نزهة أخرى يصف فيها مجلسا آخر للطرب والعبادة بأسلوب أخاذ ممتع للقراءة ومشوق للاستفادة.

وكتب في عام 1277 تحت عنوان “الرحلة المراكشية”.

بلغني قدوم شيخنا لطنجة، وحلوله بتلك الأماكن البهجة، فتعين به اللحوق، إذ حقه علينا من أعظم الحقوق، وكلما عزمت على السفر، عاقني كثرة المطر، ولم أزل أنتظر جفاف القطر، متشوقا لذلك القطر، إلى يوم الخميس، ثاني عشر عيد الفطر (1277) فهيأت للسفر الزاد، وزهدت في الحاضر والباد، واكتريت بهيمة رجل مبارك ميمون، يعرف بالحاج العربي عطمون، وصاحبني من شاركني في خمولي وخمودي، الفقيه عبد الكريم المصمودي، فركبنا البغال، وقدمنا السير على جميع الأشغال، ولم نزل نقطع الخنادق والجبال، وهو في خلال ذلك يتحفني بحديث له بال، حتى انتهينا عشية لأرض كثيرة الحصا واللفريش، فيها مدشر أولاد ابن قريش، فكان المبيت بين أظهرهم، بعد إثيانهم بحلحولهم وبيصرهم، فلما طلع الفجر المنير، صلينا الصبح وشرعنا في المسير، فلما مالت الشمس للغروب حتى ظفر كل منا بالمطلوب، وغاب غراب البين، واجتمعت بقرة العين، في دار القائد بن عبو، والجواد يكبو، وحين حصلت على الاستراحة، وفزت من الشيخ بلثم الراحة، وحمدت الله على نيل المنى والظفر، ألفيته على جناح سفر، فقطعنا ليلتنا في حديث أ من الكرى، إ7ذ كل الصيد في جوف الفرا، وطرب يضطرب له الفؤاد ويلين، من إنشاد الرباج وبوتبان، ومرين، وكانت ليلة سمح بها الزمان، تنعم فيها السمع والبصر والذوق والجنان، حتى إذا كان الليل ينهار، وجرد سيفه، وركب متن النهار، بادر الشيخ على عادته اغتنام الأجر، وقدمني لصلاة الصبح بعد ركعتي الفجر، ثم قرأنا الحزب وشرعنا في الوظيفة، والحلوى أشكال، وما منا إلا من هو شارب أكال، فلما بدأ قرب الغزالة، ولاح نورها على الصالة، أمر الشيخ بالرحلة وخلع من على لباسه أرفع حلة، ثم شرع في المسير، وخلفني في طنجة كالأسير… إلخ).

هذا الأسلوب الشجعي الرائع، الفني البديع للأديب المفضل افيلال يوحي بنبض الحياة، ونمط التجاذب بين الطرب والمديح، وبين الرحلة والترويح، للشيخ ابن ريسون الذي كان فريد زمانه في القطب والإمامة، والطرب والاستقامة.

ومثل هذه النزهات غالبا ما تكون إذا أطل فصل الربيع، وهي من عادات أهل تطوان خاصة وعادات المغرب عامة، وقد أشار إلى ذلك الفقيه أحمد الرهوني في عمدته حيت تحدث عن عادات أهل تطوان، فذكر عاداتهم في فصل الربيع حيث قال: إذا دخل فصل الربيع وذلك في 15 فبراير خرج الناس إلى خارج البلد للقائه، وشم رائحة أزهاره، ثم أقاموا مواسم النزهة في كل غرسة وجنان، على روائح الأزهار، ونغمات الأوتار، وخفيف الأشجار، وأصوات الأطيار، وخصوصا العندليب، والهزار، هكذا كان الحال منذ أسست هذه البلدة، إلى هذه السنين والله يفعل ما يشاء.

وللأديب سيدي المفضل افيلال عدة موشحات كان يشنف بها أسماع سيدي عبد السلام ابن ريسون، وتدور على رحى الطرب في المجالس الخاصة منها على سبيل المثال هذا الموشح من نوبة البسيط الاصبهان وهي:

من كمال عقلي الرزين *** هام فيمن وصفه يزين

البها والحسن والإحسان *** للعـــــــــــــــــــالمين

قلت له آشا أذاك لمن ودك *** قال لي الــــرضى

قلت له بالله سامح عبدك *** في مــــــــــا مضى

قال لي سبق به سعدك *** وأجرى القــــــضــــى

في ديوان المحبين *** من جملــــــــــــة الطيبين

البها والحسن والإحسان *** للعــــــــالمين

وبمثل هذه الأشعار الرقيقة كانت تعيش تطوان حياتها الأدبية بالأجواء الأندلسية التي أبدع فيها شعراؤها بوصف الجمل والطبيعة، والتعبير بهذا الوصف عن كل ما يلفت الأنظار ويتذوقه العقل، وتتلذذ العين رؤيته، فكان السحر الجمالي والإبداع الخيالي، والشعر الصوفي في مجالس الشيخ سيدي عبد السلام ابن ريسون.

عن “الأجواء الموسيقية بتطوان وأعلامها”

لمؤلفه محمد الحبيب الخراز


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.