تحصين المدينة المنظرية.. دعامة للإحساس بالأمان - بريس تطوان - أخبار تطوان

تحصين المدينة المنظرية.. دعامة للإحساس بالأمان

بريس تطوان

لا يمكن الحديث على مراحل التطور الذي لحقت المناطق الرئيسية بقدر ما يمكن الحديث عن الحاجات الحيوية التي تخدم المدينة، إذ شكلت المباني المقامة للدفاع والحماية حدودا مادية واضحة. فتقليديا كانت القلاع المحصنة والجدران الضخمة تبنى بحيث تعزل أجزاء من المدينة أو تحيط بها، وقد عزز موقع المدينة بعدد من الأسوار التي بنيت تدريجيا وذلك لحمايتها وتزويدها بنظام دفاعي فعال.

فقد دشن القائد أبو الحسن المنظري المدينة بمساعدة سلطان فاس في الموضع نفسه التي كانت فيه تطوان الوسطية، وتبرز أهمية التحصينات بعد إعادة بنائها حيث وصفها يوسف الشيخ العربي الفاسي (توفي 1152 هجرية) مؤلف كتاب  “مرآة المحاسن” المدينة التي أسسها الأندلسيون بأنها “بلد مربع وقصبتها في ركنها ولها ثلاث أبواب وسورها في عرضه سبعة أدرع ودار بالسور الأول سور  ثان وبعده دارت الحفائر، وأعظمها حفير القصبة، ويعلو البلد من جهة الجوف جبل بني عليه المنظري قصبة أكملها في 20 سنة.

ومن ثمة تم تحصين المدينة بقصبتين، الأولى في الجبهة الغربية في المكان المعروف بجامع القصبة أمام سوق الحوت القديم، وقصبة الذياب على جبل درسة على مساحة أربعة هكتارات، وكانت تعد من المشاريع الضخمة انذاك انطلاقا من عملية البناء التي استغرقتها، حيث تم استخدامها كثكنة للجنود أو لتنفيذ العمليات العسكرية، ورممت للمرة الثانية على يد القائد عمر لوقش في القرن الثامن عشر، حيث أضاف إليها برجا آخر من أجل ضمان الأمن للساكنة. واستمر توسع المدينة خارج حومة البلد مع توافد الهجرات طيلة القرن 16 وبداية 17 الميلادي. وفي ذلك يقول السكيرج (توفي 1250 هجرية) “تمكن المؤسس سيدي المنظري من الاستعانة في إعادة بناء مدينة تطوان على الخبرة الأندلسية التي حملها معهم أتباعه من الأندلس، وكذلك الأسرى المسيحيين الذين كان يأسرهم في هجوماته على مراكبهم، ويستعملهم في عملية البناء. وشمل هذا التجديد مساحة كبيرة  ضمة حومة البلد بأكملها بالخصوص بالجامع الكبير وجامع القصبة وجامع الرابطة وتحد هذه الأخيرة من جهة الغرب بسور السوق الحوت القديم ثم سوق القصبة والغرسة الكبيره في الصياغين ومن جهة الشمال سور باب الجياف والمقابر. وبدأت المدينة تشتمل على ستة أقسام كل قسم يختص بدور ساهم في تنمية المدينة الجديدة.

تعد القصبة المركز الإدارة والحكم وإدارة المدينة. فالأولى في الجهة المعروفة بحومة جامع القصبة ثم “الواسعة” و “الصياغين” حيث أسواق المدينة ومراكز الحرفيين، وحي أحفير الذي كان يقطنه الميسورين من سكان المدينة. تتكدس في حومة المطامر دور الطبقات المتوسطة والضعيفة ثم الملاح بالقرب من جامع الكبير المخصص لسكنى اليهود، وأخيرا المطامير وهي عبارة عن سجن للأسرى.

إلتحمت المساكن المخصصة لحاكم المدينة مع الأنظمة الدفاعية بما في ذلك مساكن عائلته وبطانته، بالإضافة إلى مكاتب إدارية تدير شؤون المدينة، كونت نواة لمدينة صغيرة يحيط بها سور واسع وصل عرضه إلى سبع أدرع، كان الهدف من بنائه هو رد هجمات الجبليين الذين كانوا متضايقين من تواجد الأندلسيين وقد احتوى هذا السور على ثلاثة أبواب منها: باب المدينة القديمة وهي توجد في القوس المتصل بفندق النجار وينفتح على الربض الأسفل. باب بالناحية الغربية أطلق عليها اسم باب السلسلة وقد حللت محل باب المشور الذي صار داخل المدينة. والباب الثالث لم يعثر عليه ومن المرجح أنه كان قرب القصبة.

ونظرا للتاكيد المصادر على وجود هذه الأبواب الثلاثة في فترة معينة، لنا ان نتساءل عن أدوارها؟ ويبدو أنها ربطت تطوان بالعالم القروي أو بالمدن الأخرى المجاورة فباب الربض الفوقي من قوس الواقع من الخرازين والصياغين وينتهي عند الطريق القادمة من الغرب، وتربط بين السوق الفوقي وباب النوادر، وقد اكتسى هذا الطريق في هذه الفترة طابعا فلاحيا حيث كان يضم مساحات شاسعة لزراعة الخضروات.

اما باب الشمالي الشرقي وهو يربط المدينة بسبتة وبالساحل المتوسطي والمناطق الريفيه الأخرى. بالإضافة إلى هذا توفرت المدينة على نواة اقتصادية متكاملة تمثلت في الأسواق وأماكن النشاط العمومي وغيرها من المرافق الاجتماعية الضرورية.

تم تبرير هذا الطابع المحصن للمدينة بظروف نشأتها، وبالخطر البرتغالي والإسباني الذي كانت يحدق بها، إضافة إلى القلق الذي سببته ساكنة أحوازها، فكان أول شيء فكر فيه الأندلسيون المهاجرون هو تحصين المدينة بالأسوار والأبراج فهو مجتمع ولد من حرب ونما فيها، كما تتحدث المصادر عن ثلاثة آلاف أسير مسيحي، كان يوظفهم المنظري في بناء هذه التحصينات، وهي تعكس تأثير قشتالي واضح انفردت المدينة به دون غيرها الذي املته الظروف الغير الآمنة عصرئذ.

وهكذا انتقلت المدينة إلى مرحلة جديدة بحلول المهاجرين الاوائل بها، والذين أعادوا ترميم تطوان المرينية “القصبة وأفراك”، قبل أن يبدأ القائد المنظري في بناء حومة جديدة متصلة بهما عرفت ب”حومة البلد” وهي “المدينة الأصلية والواقعة في شمال الشرقي”.

كتاب: تطوان بين المغرب والأندلس (تشكيل مجتمع مغربي أندلسي في القرنين 16 و 17م)

للمؤلفة: نضار الأندلسي

منشورات جمعية دار النقسيس للثقافة والتراث بتطوان

(بريس تطوان)

يتبع


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.