بريس تطوان في حوار مع متخصص في تاريخ الأديان بكلية أصول الدين بتطوان - بريس تطوان - أخبار تطوان

بريس تطوان في حوار مع متخصص في تاريخ الأديان بكلية أصول الدين بتطوان

 

بريس تطوان: تحية طيبة الأستاذ الفاضل، هل لكم أن تقدموا لنا نبذة تعريفية عن  شخصكم الكريم؟

ج: أود أن أعبر لكم عن شكري وامتناني على دعوتكم الكريمة، وعلى مواكبتكم المتواصلة لأنشطة الجامعة والكلية تحديدا، كما أبارك لكم التتويج بالمرتبة الأولى محليا والثانية جهويا، راجيا الله تعالى لكم مزيدا من النجاح والتوفيق.

بخصوص التعريف بشخصي، الأستاذ يوسف بنلمهدي من مواليد مدينة طنجة، حاصل على الدكتوراه في تكوين تاريخ الأديان والحضارات الشرقية من جامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب مرتيل، وأشتغل حاليا أستاذا للعقائد والأديان بكلية أصول الدين. كما أتشرف بعضوية مجموعة من المختبرات الوطنية والدولية التي تعنى بالحوار الديني والثقافي، أكاديميا وعمليا.

بريس تطوان: من خلال تتبعنا لأنشطتكم الأكاديمية لاحظنا اهتمامكم بالحوار الديني والثقافي، هل يمكنك أن تضعنا في صورة هذه الإهتمامات؟

ج: نعم، هو كذلك بفضل المولى سبحانه، وهذا ليس غريبا في تكويني العلمي، فقد تخرجت من وحدة البحث والتكوين في تاريخ الأديان والحضارات الشرقية، وقبله درست دبلوم الدراسات العليا المعمقة في وحدة المناظرات الدينية وأساليب الحجاج.

وكلية أصول الدين التي أشتغل بها تعنى بهذا المجال عناية كبيرة، من خلال تعزيز قيم الحوار الديني والحضاري واحترام التنوع، على مستوى التدريس وكذلك على مستوى البحث والتكوين، وفي مختلف الأنشطة العلمية التي تنظمها مجموعات وفرق للبحث المعتمدة؛ ولا أنسى دعم رئاسة جامعة عبد المالك السعدي لهذا المشروع، من خلال الرهان على الديبلوماسية العلمية لتعزيز آفاق الجامعة والانسجام مع متطلبات الموقع الجيوستراتيجي للجهة، وكذلك في سياق تنزيل المواثيق الموجهة للسياسة التعليمية، مثل نص الدستور والاتفاقيات والخطب والرسائل الملكية، وميثاق التربية والتكوين، وأخيرا القانون الإطار الذي جاء واضحا في هذا المجال…

بريس تطوان: كيف تعملون على تنزيل هذه المواثيق والتوجيهات في برامجكم التعليمية؟

بالنسبة لنا في كلية أصول الدين المادة الحوارية حاضرة بقوة، من خلال الدروس النظرية في الحوار ومنهجية تدبير الاختلاف… وكذلك من خلال تدريس المذاهب الدينية والفلسفية ومقارنة الأديان … دراسة علمية أكاديمية صارمة بعيدة عن أي تحيزات … وذلك بهدف ترسيخ القيم الجامعية الحقة، من  قبيل تحقيق البعد الموضوعي في فهم الآخر فهما سليما أولا، ثم احترامه والتواصل معه ثانيا، وثالثا التمسك بالأساليب السلمية في تدبير الاختلاف الكائن بيننا وبينه، بحيث نحقق التعارف الذي نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

لهذا نسعى إلى الجمع بين التكوين العلمي وترسيخ ثقافة الإعتدال والوسطية، وتعزيز مهارات وقدرات الطلبة على الحوار الإيجابي في جميع المواضيع.

كما نعمل على إبراز هذه القيم في شخصيتنا المغربية، ومرجعيتنا الإسلامية، فمرجعيتنا الإسلامية قائمة على الحرية وحفظ التنوع، وحضارتنا المغربية أسست على حوار مع الشرق والغرب، فاستقطبت خيرة العقول وأهم الخبرات العلمية من قرطبة وتلمسان والقيروان وروما والقاهرة وتمبكثو وغانا وبغداد وصقلية والقسطنطينية… ثم صدّرت خبراتها الذاتية لهذه الأصقاع وغيرها…

بريس تطوان: هذا  قديما، ماذا عن اليوم؟

ج: نحن اليوم  أحوج من أجدادنا إلى  ذلك، فقدرنا في المغرب أن نكون وسط العالم؛ جغرافيتنا مفتوحة، وسوقنا مفتوح، ومستقبلنا مرتبط بالقارات الخمس وبالأمم السبعين على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم … لهذا كان هذا هو خيار العقلاء في بلدنا، والجامعة ينبغي أن تواكب هذه الخيارات بجدّية، وتعد لها الأرضية المناسبة؛ فالمهاجر الإفريقي والمستثمر الصيني أو الياباني أو الفرنسي أو الأمريكي الذي يأتي لجهتنا نحتاج أن نتعرف على ثقافته وقيمه حتى نعزز الشراكات ونقوي الجسور، ونستبق أي سوء فهم مرتبط بالهوية، لكن للأسف مواكبتنا الفكرية والثقافية مازالت محدودة، ولم ندرك بعد قيمة الديبلوماسية العلمية والثقافية وإمكانتها الهائلة، لأننا نفصل بين الرأسمال المادي والقيم الدينية والثقافية، وهذا في رأيي مستحيل نظريا وعمليا.

بريس تطوان: إذن فالحوار الديني والثقافي خيار ضروري؟

ج: هذا ما أومن به، وأسعى لتحقيقه، وإذا لم يكن الحوار خيارنا الطوعي قبل الأزمات، فسيكون الخيار المفروض علينا بعدها، على أن فكرة الحوار بالنسبة لي ليست مجرد فكرة ظرفية أو واحدة من استراتيجيات الإنسان المنتمي للبلدان السائرة في طريق النمو لإرضاء الآخر أو حصد مكاسب شخصية…بل هو خيار أصيل نابع من إيمان بقدرية الاختلاف وسمو قيم التعايش والاعتدال، ووحدة المصير مع البشرية جمعاء في كل المعمور، فلم تعد فكرة العزلة أو النأي بالنفس تفيد، ونحن نرى كيف أن فتنة دينية أو كارثة بيئية أو أزمة اقتصادية حيثما كانت في المعمور يلحقنا أذاها وشررها … كما أن الناس في محيطنا العربي والإسلامي جربوا خيار الانغلاق وأدركوا عواقبه، وليس أمامهم سوى خيار وحيد هو ثقافة الاعتدال والعيش المشترك.

بريس تطوان: من خلال تجربتكم الشخصية هل تجدون فائدة ملموسة للحوار الديني، وهل حواراتكم دائما ناجحة؟.

ج: بخصوص فرص نجاح الحوار يتوقف الأمر على أمور كثيرة، أهمها بالنسبة لي إخلاص المشاركين فيه للقيم المشتركة التي نؤمن بها والاستعداد للتضحية من أجلها، ثم خبرات ومهارات المحاوِر، وبدرجة كبيرة مصداقية المحَاوَر عند قومه؛ هذه النقطة الأخيرة مهمة جدا، فعندما نجالس قياديا دينيا حقيقيا فإننا نحاور شخصية مرجعية لآلاف الأشخاص، وأحيانا ملايين، فيهم خبراء التربية والتعليم والصحة، ورجال المال والأعمال، ومدراء المؤسسات الإعلامية والأكاديمية … فضلا عن القادة الدينيين، والنجاح في الحوار معه يعني فتح طريق للمحبة والأخوة الإنسانية لنا وللمغاربة والمسلمين الموجودين هناك، وكذلك فتح طريق للتنمية من خلال تبادل الخبرات واستقطاب رؤوس الأموال والشركات والسياح والمواقف السياسية ودعم البحث العلمي وتعزيز السلم العالمي.

ومن الثمرات العملية الملموسة للحوار أيضا بيان الصورة الحقيقية لأمتنا وبلدنا، فالمهاجر المغربي في الغرب والشرق يحتاج لدعم الأكاديمي ليبرز حقيقة شخصيته ويساعده في التخلص من الصور النمطية وموجات الإسلاموفوبيا والعنصرية… وكم من الحوارات خضناها مع أناس لم تكن لهم معرفة بالحضارة المغربية فعرفوها، أو كانت لديهم صور نمطية عن المغرب فغيروها، فبعض السلبيات التي يحدثها الإعلام المنفلت يمكن أن يتداركها الأكاديمي في محاضراته ومناقشتاته خارج المغرب؛ فبعض المشارقة مثلا يعتقدون أن المغرب بلد السحر والفساد والرغبة في الزواج بالأجانب … وبعض الغربيين يعتقد أنه بلد الجرائم والتسول والتعصب الديني … ولقاءاتنا تأخذ هذا الجانب بجدية وتحاول توعية الآخرين به.

كما أننا في الغالب نخوض نقاشات ذاتية مع المهاجرين، فنصادف أحيانا قناعات خاطئة في التعاطي مع الآخر، وضعف في فقه التعايش وتدبير التنوع الثقافي وحماية الخصوصيات الهوياتية في البيئة التي يعيشون فيها، فتكون تلك اللقاءات فرصة لتصحيح الوضع؛ فقد وجدنا أحيانا قطيعة بين بعض المسلمين وبعض الغربيين لأسباب دينية، والعكس، واستطعنا بفضل الله توضيح بعض الأمور ومعالجة سوء الفهم، لأن جهد المتخصص ليس هو محاولة المهاجر البسيط الذي يؤثر الاحتياط خوفا على هويته وثقافته.

بريس تطوان: هل للزيارات التي تقومون بها فائدة في تعميق خبرتكم في هذا المجال؟

ج: طبعا ذلك مفيد جدا، ودائما ما أحرص على التجديد من أجل إغناء تجربتي، فأنا ما زلت في مرحلة التكوين في هذا المجال، وخبرتي فيه تحتاج لتطوير وتحديث، وكل بلد أزوره ألتقي بخبراء جدد وأنفتح على تجارب مختلفة، خاصة في الدول التعددية؛ فلديهم خبرة في الحوار وتدبير الاختلاف، ونقطة القوة في مجتمعهم تكمن في كون قيم الحوار والتربية على التنوع مدمجة عندهم في المقررات التعليمية والمشاريع البحثية ولديهم مراكز ومؤسسات عديدة تشتغل على ذلك بجدية ونشاط …  لهذا فاللقاءات معهم تكون مفيدة جدا.

بريس تطوان: وماهي حصيلة التجربة التي راكمتموها في هذا الشأن ؟  

بخصوص حصيلة التجربة أقسمها إلى قسمين:

أولا: الجانب العلمي الأكاديمي: فعلوم الأديان كما نعلم أصبحت أكثر تشعبا ودقة، ودراسة الأديان والثقافات في الغرب متطورة، لهذا نسعى إلى الاستفادة من خبرة المؤسسات والأساتذة في مجال دراسة الأديان والثقافات، حتى نرقى بمستوانا ومستوى طلبتنا وجامعاتنا. ومن جهة أخرى يعتبر تدريس تاريخ المذاهب والأفكار فرصة لنقد وتقويم الأفكار والنزعات التاريخية التي لا تناسب ثقافة العصر،  وفي هذا استجابة لحاجة معرفية واجتماعية  ملحة.

ثانيا: الجانب العملي: الخبرة العملية هي ما ينقصنا، فهي تختزل عقودا من الدراسة النظرية، ولا يسعني في هذا السياق إلا الإعراب عن إعجابي الشديد بزملائي في البلاد العربية، من جهة جهادهم لحفظ أوطانهم وخبرتهم في صناعة السلام المحلي والعالمي، عبر حضورهم في المجتمع  العلمي والشعبي، وحرصهم على تحدي الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية، ومقاومة الإقصاء والتطرف والعنصرية … وأحيي بدرجة أكبر من يشتغلون في لب الأزمات في ليبيا والعراق وسوريا… إنهم بحق القابضون على  الجمر الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم.

بريس تطوان: مؤخرا كانت لكم زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، كيف تقيمون تلك الزيارة؟ وهل كانت كافية للاستفادة من الخبرة الأمريكية ؟

ج: لقد كانت الزيارة ناجحة ومفيدة وممتعة جدا، خاصة برفقة زملاء من خيرة أساتذة الدراسات الإسلامية بالمغرب، وتحت مظلة مركز سوراك sorac الذي يشرف عليه خبير دولي في مجال دراسة الأديان وتعزيز الصحبة العلمية بين الباحثين هو الدكتور بول هيك.

وبخصوص التقييم؛ فثلاثة أسابيع بالولايات المتحدة غير كافية، فالمطلوب كبير والزمن قصير، لكن وجودنا بمؤسسة تعد من أعرق المؤسسات بالولايات المتحدة الأمريكية هي جامعة جورج تاون، ونقاشاتنا الطويلة والمكثفة مع أساتذها وخبرائها المشهود لهم عالميا، أفادني كثيرا بمناهج وأساليب ومهارات جديدة سأعمل على تجربتها في محيطي الأكاديمي … وعموما فإن وضع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الحوار الديني وتدبير التنوع مختلف عن أوروبا والبلاد العربية، لسببين رئيسين:

  • قوة حضور الدين والمؤسسات الدينية في المجتمع، مع أن الدولة علمانية وممنوع عليها دعم أي دين، إلا أن المجتمع متدين والدولة لا تعادي الدين وإنما تحمي حرية التدين للجميع. وهذا يجعل الخطاب الديني حاضرا بقوة من خلال مؤسسات اجتماعية وعلمية وخيرية تقدم خدماتها للمجتمع.
  • أهم ما يميز المؤسسات الدينية والأكاديمية بالولايات المتحدة الأمريكية، هو تقديس قيمتي الحرية والاستقلالية واحترام التنوع، وهذا يجعل الحوار مع قادتها مفتوحا، ويجعل ثماره في المتناول، واللقاءات مع الأساتذة والقادة الدينيين في الغالب تكون مباشرة وصريحة وخالية من المجاملات العقيمة.

بريس تطوان: ماذا عن الصعوبات التي تواجهونها في هذا المجال ؟

يمكن إجمال هذه الصعوبات في الآتي:

قوة ثقافة الانغلاق من جانبنا، فما زال البعض يعتبر مجرد الاجتماع مع غير المسلمين تفريطا غير مقبول؛ وقد يصل لحد تكفير المشتغل في هذا الجانب، لكن والحمد لله في مجالنا تعتبر مثل هذه الأصوات نشازا، وقريبا يستفيق أصحابها من غفلتهم، ليدركوا أن القوة والشجاعة ليست في الانغلاق والقطيعة والتكفير، وإنما في الحوار والمبادرة وجني الثمار المتبادلة بين إخوة الدين والوطن والإنسانية.

ضعف التربية على الحوار: للأسف حضور قيم الاختلاف والحوار ضعيف في برامجنا على مستوى مؤسسات التعليم الجامعي، مع أن هذه المؤسسات  تخرج آلاف العقول المتخصصة في جميع المجالات دون تأهيل عملي في جانب الحوار، وهذا من بين أسباب الأزمات التي يعرفها المجتمع في تحولاته …

قلة الخبرة العملية نتيجة غياب التدريب: الخبراء في مجال الحوار الديني وتدبير النزاعات قلة، والجانب المهاري لا يمكن تحصيله إلا من خلال دورات تدريبية عند مراكز متخصصة، مثل مركز kaiciid الذي يقدم خبرات قيمة بسبب وجود خبراء عالميين في مجال الحوار، لكن للأسف هذه المراكز تعاني من نفس الظروف التي يعاني منها الأفراد، كما أن ضعف الإمكانات يحول دون استيعابها لعدد كاف من المتدربين، ونحن نسعى إلى نقل الخبرة التي نأخذها عنهم للطلبة عبر إدماج تلك القيم والمهارات في التعلمات وكذلك من خلال الندوات والورشات التكوينية، مثل “دورة آليات تدبير الاختلاف والتنوع واستثمار مقومات الدين في حفظ السلم الاجتماعي” التي احتضنتها كلية أصول الدين يومي 13و14نونبر 2018م، وعرفت  نجاحا باهرا، بفضل دعم كايسيد وجميع مكونات الكلية… ونحن مقبلون على دورات أخرى في القريب إن شاء الله.

 

بريس تطوان


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.