الفنون الأندلسية بتطوان - بريس تطوان - أخبار تطوان

الفنون الأندلسية بتطوان

بريس تطوان

لقد ازدهرت صناعة الجلد في عهد مولاي سليمان، وكان حي الخرازين بكامله مختصا في هذا النشاط الصناعي التقليدي والتجاري، وكان يشمل دبغ الجلد وصبغه وتطريته، وكانت أعمال الإتمام والتطعيم والطرز تتم في الأحياء المجاورة، وكانت هذه المنطقة  من المدينة، وهي عبارة عن متاهة بكل معنى الكلمة، تشتمل على ما لا يقل عن مائتي حانوت صغير، وكان كل حرفي ينجز بنفسه جميع مراحل الصنع بدون أن يقسم العمل، وحسب أوصاف تلك الفترة وصورها، فإن عددا كثيرا من أزقة الحرفيين والتجار وكذلك بعض الساحات الصغرى كانت تغطيها الكروم الظليلة التي كانت تستطاب خضرتها وظلالها.

وكانت “البلاغي” المصنوعة من الجلد تشكل جزءا من صادرات تطوان  التقليدية نحو بلاد المغرب الأخرى، وبلاد المشرق وإسبانيا. وكانت قبائل جبالة تتزود في تطوان ليس بالبلاغي فحسب، بل كانت تتزود فيها أيضا بالخرائط والحزائم والسروج، وكانت المنتجات الجلدية المطعمة بخيوط ذهبية وفضية، والأرائك الجلدية تشترى خاصة من طرف زبائن الحاضرة الأثرياء وأعيانها. وكان اليهود مختصين في تنميق الجلد والمخمل بخيوط الذهب والفضة، وكانت نماذج هذه المنتجات تصنع باستمرار ويتطلب صنعها وقتا طويلا، كما تشهد على ذلك محفظة تطوانية ترجع إلى 1761 وتوجد ضمن مجموعة إنجليزية.

وهناك عدة أشياء أخرى كانت تشكل إنتاج الصناعة التقليدية ذات الطابع الفني في المدينة كالزرابي والأسلحة والأثاث الخشبي المدهون والفخاريات. وكانت شهرة هذه المنتجات تنافس نظيراتها الفاسية. إلا أن الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء كانت تعتبر وكأن لا مثيل لها. وكانت أخامص البنادق تطعم بالفضة والعاج، وبعض هذه الأخامض كان يدمشق، واستمر ذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر وكان السلاح الأبيض يتكون من “السبولة”، أو السكين القصيرة والمستقيمة النصل، و “الخنجر”، وهو سكين كبرى تصنع للتزيين خاصة، و “الكوية” أو المدية العقفاء الرأس.

وكانت صناعة الحرير بدورها صناعة قديمة كما سبق وأن أرينا ذلك، سواء تعلق الأمر بالحرير الذي كان ينتج محليا بفضل أشجار التوت في المدينة وأرباضها، أو الحرير المستورد أكثر فأكثر على شكل حرير خام من الشرق الأدنى وغسبانيا في بادئ الأمر، ثم من فرنسا بعد ذلك. وظهر نزوع إلى تعويض نماذج القرنين السادس عشر والسابع عشر الأندلسية بالمطرزات التركية. ويصعب علينا تتبع التطور والتحولات التي عرفتها هذه المنتجات، فأقدم الدلائل التي تم الحفاظ عليها لا ترجع إلى ما قبل نهاية القرن الثامن عشر. وبالنسبة لهذه الفترة وبداية القرن التاسع عشر، كانت الصيغة الأكثر تميزا لهذا الفن في تطوان، هي باقة الزهور المتعددة الألوان داخل إطار على شكل قوس قوطية. وكانت أنسجة الحرير وكذا أنسجة القطن والكتان التي كانت الزراعة المحلية تنتج دزءا منهما، تباع كالعادة في القيسارية.

ولم تصمد هذه الصناعة النسيجية التقليدية ذات الطابع الفني إلا بصعوبة أمام المستوردات الأجنبية التي فرضت نفسها فيما يخص التموين بالمادة الخام، ثم جوانب الحياة التطوانية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يرجع الانكسار الأكبر إلى حرب 1859 – 1860 والاحتلال الاسباني للحاضرة من فبراير 1860 إلى ماي 1862. وتعتبر الحرب والاحتلال المذكوران بعد بوادر الانحطاط الأولى التي ظهرت منذ عدة عقود، بداية لنهاية عالم خاص، وهو عالم تطوان التقليدية وأساطيرها وأحلامها الأندلسية.

العنوان: تطوان الحاضرة الأندلسية المغربية

المؤلفين: جون لوي مييج/امحمد بن عبود/ نادية الرزيني

منشورات جمعية تطاون أسمير

(بريس تطوان)

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.