الإشعاع المتميز للمعهد الموسيقي بتطوان (1) - بريس تطوان - أخبار تطوان

الإشعاع المتميز للمعهد الموسيقي بتطوان (1)

بريس تطوان

ليس من السهل حصر إشعاع المعهد الموسيقي بتطوان محليا أو وطنيا فحسب بل إن امتداد جذور هذا الإشعاع عم أرجاء العالم، فنشاط المعهد الموسيقي بتطوان داخل الوطن وخارجه أعطى للموسيقى الأندلسية مجالا واسعا من الاهتمام من طرف الموسيقيين العالميين حيث زادوا اتساعا في دراسة الموسيقى الأندلسية منذ كانت هناك مدارس أندلسية تدرس هذا الفن سواء في غرناطة أو اشبيلية في الوقت الذي كانت فيه أوروبا لا تعرف هذا النوع من الموسيقى لعذوبة أنغامها ورقة ألحانها. وربما يفوق عدد الغربيين المهتمين بموسيقانا أكثر من اهتمام المختصين العرب. وأدخلت أوروبا العديد من الأطباع والأحان العربية في الموسيقى الغربية.

ويمكن القول إن أول إشعاع للمعهد الموسيقي بتطوان والتعريف به وبالموسيقى الأندلسية، ولقي صدى كبيرا في العالم العربي والإسلامي والغربي أيضا، هو ما قام به الفنان الكبير المرحوم عبد الوهاب أكومي الذي كان متواجدا بتطوان سنة 1950 وزار المعهد الموسيقي ولمس التطور الفني الضخم الذي يتوفر عليه من حيث الآلات والأصوات النسوية الشابة ذات الأصوات العذبة. فقام بتسجيل أسطوانة – شمس العشي – التي لقيت إقبالا شعبيا عظيما وأذيعت في جميع المحطات الإذاعية من أنحاء العالم العربي والإسلامي والغربي باستمرار ولعشرات السنوات فيما بعد ومازال الحنين مستمرا لسماعها إلى يومنا هذا وبفضل هذه الأسطوانة نال عبد الوهاب أكومي شهرة صوتية عالمية. وفي سنة 1951 عاد عبد الوهاب أكومي إلى تطوان. وأخذ قسما غنائيا مع الأوركسترا الاسبانية التي قدمت عروضا شيقة لجمهور تطوان بمسرح اسبانيول وبالمدرسة الأهلية وعقد ندوة مع جمعية الصحافة التطوانية.

وقد قام المعهد الموسيقي بعد اكتسابه الصبغة القانونية بعدة أنشطة رسمية سواء داخل المغرب أو من خلال التظاهرات الثقافية التي كانت تنظيم بالمناسبة فعلى الصعيد الخارجي وبمناسبة الاحتفالات الكبرى التي نظمتها مدينة قرطبة بتاريخ أكتوبر 1944 إحياء للشعر العربي شارك جوق المعهد الموسيقي بتطوان برئاسة مدير المعهد السيد عبد السلام ابن الأمين ورئيس جوق المعهد السيد العياشي الوراكلي في هذه التظاهرة الكبرى. كما شارك في سنة 1946 بمناسبة المعرض الفني للرسم المغربي الذي نظم بنفس المدينة واحتفالات أعياد شهر ماي التي اعتادت تنظيمها عرض جوق المعهد خمس احتفالات كبرى، بمدينة الزهراء وبإذاعة قرطبة، وبدائرة الصداقة وغيرها من الاحتفالات بشوارع المدينة. وكان المرحوم مولاي أحمد الوكيلي ضمن أفراد الجوق الذين شاركوا في هذه النوبات الموسيقية الأندلسية.

ويحدثنا الفنان الأديب البارع المرحوم عبد السلام الصباح (السعيدي) عن الرحلة الفنية التي قام بها جوق المعهد الموسيقي بتطوان إلى مدريد بمناسبة المهرجان الدولي للموسيقى والرقص الذي أقامته اسبانيا سنة 1949. وتحت عنوان “وجهة نظر” الذي نشرته له حينما كنت مديرا لجريدة “صوت الأمة” في العدد 21 بتاريخ 9 ربيع الأول عام 1401/ 16 يناير 1981 جاء فيه:

(“لفت انتباهي وأنا أتصفح العدد 19 من جريدة “صوت الأمة” في صفحتها “فنون”سؤال وجهه مبعوثها السيد عثمان الصوردو إلى السيد مصطفى مزواق، لو كلفت باختيار أغنية لتقديمها في مهرجان دولي، فأيهما تراه صالحا لتمثيلنا فنيا؟.

ويبدو أن الجواب سلبيا، ولأهمية السؤال أحببت أن أدلي بدلوي في الموضوع، وأبين رأيي المتواضع، ولست أدري ما السبب الذي دفعني إلى ذلك هل الفضول؟ أم شغفي بوطني؟ أم التجربة التي مررت بها، وعشتها في المهرجان الدولي للموسيقى والرقص الذي أقامته باسبانيا سنة 1949، حيث كنت ضمن أعضاء جوق المعهد الموسيقي بتطوان الذي وجهت إليه الدعوة للمشاركة فيه، وكان يرأس الجوق المرحوم الأستاذ العياشي الوراكلي، وبإشراف مدير المعهد حينذاك المرحوم الأستاذ عبد السلام ابن الأمين العلمي، وكانت مشاركة مشرفة من البداية إلى النهاية مدة المهرجان الذي استغرق أربعة أيام، وكنا نشعر بارتياح بالغ للعناية التي كنا نتلقاها والتقدير الذي مكننا من أن نكون في طليعة الوفود الموسيقية الدولية أثناء الاستعراض الذي مر بـطول شارع بمدريد حاملين العلم الوطني الأحمر تتوسطه النجمة الخضراء وبلباسنا الأبيض، وكنا بحق منظرا رائعا يأخذ بلباب الجمهور الذي كان يعد بالألاف، وبمظهرنا هذا كنا ننتزع التصفيقات المستمرة من جميع الطبقات مدة الاستعراض الذي استغرق أزيد من ثلاث ساعات.

وفي الليل كنا في موعد مع  el retiro وفي أكبر حديقة أعدت لتقديم العروض من الموسيقى ورقص لكل المشاركين من الدول التي كان عددها اثني عشرة دولة، وبجدر بي أن اذكر بكل فخر واعتزاز أن في كل عرض كنا نقدمه إلا كانت بوادر الفوز تترآى لنا من خلال إعجاب الجمهور وتشجيعاته، وبذلك تمكنا من الفوز بالرتبة الثانية بعد إيطاليا التي فازت بالرتبة الأولى. والفضل في ذلك أننا انتهزناها فرصة لإبراز نموذج عن أصالتنا وحضارتنا المغربية بما في ذلك اللباس القومي التقليدي، وكذلك ما نقدمه من لوحات موسيقية أندلسية مختارة تلائم العرض.

ومن حسن الحظ أننا تعرفنا عناك على فتاة مغربية انضمت إلينا وشاركتنا في المهرجان المذكور، وذلك بواسطة السيد البوزيدي الذي كان على رأس القسم العربي لإذاعة مدريد، وهو من الأبناء البررة لمدية طنجة الغيورين، وكانت هذه الفتاة تؤدي رقصات على حركات إيقاعية خفيفة ومتوسطة من الموسيقى الأندلسية التي كانت في غاية الروعة الشيء الذي اكتسبنا به إعجاب الحاضرين الذين كانوا يعبرون عن ذلك بتصفيقاتهم الحادة. وكنا نسمع بين الفينة والأخرى من كل جانب (viva marruecos) يحيا المغرب، وأهم من ذلك إعجاب الصحافة الصباحية والمسائية التي كانت تغطي المهرجان، وقد كشفت عن ذلك بما وصفتنا به بالحمام الأبيض،… وأنا متيقن من أنه لا يستبعد أن هناك من يوقل: إن هذا كان أيام زمان، أقول له كلا.. إن الفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى التنسيق والخبرة والذوق.. والمقصود من تقديم هذا الوصف هو الإتيان بدليل لإقناع القارئ الكريم: “وهذا هو بيت القصيد” هو أن مشاركتنا في مثل هذه المهرجانات تتطلب منا أن لا ننسلخ عن قوميتنا وموسيقانا الأندلسية التي هي من مفاخر التراث الفني المغربي الأصيل. ولولا أني أخشى الانحراف عن الموضوع الذي نحن بصدده لآتيت بالبرهان عن  أهمية الموسيقى الأندلسية ومكانتها عند كبار الشخصيات والمفكرين داخل المملكة وخارجها من عرب وأجانب، واترك ذلك لفرصة أخرى إن شاء الله”).

عن “الأجواء الموسيقية بتطوان وأعلامها

لمؤلفه محمد الحبيب الخراز

(بريس تطوان)

يتبع


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.