أية إستراتجية إعلامية للمجتمع المدني؟ - بريس تطوان - أخبار تطوان

أية إستراتجية إعلامية للمجتمع المدني؟

يساهم التكوين المستمر بشكل كبير في تأهيل الفرد وتطوير قدراته ومهاراته وإعداده للتفاعل والإسهام البناء والإيجابي في خدمة المجتمع، من خلال تمكينه من الخبرات والكفايات اللازمة التي يحتاجها من أجل التدبير الجيد والإدارة الرشيدة والفعالة لمختلف أصعدة حياته، العامة والخاصة.

وإذا كان من المسلم به أن التكوين المستمر يشكل عنصرا ضروريا ومهما لتأهيل الموارد البشرية، فإن تعميق الدراسة والبحث في مجال الدراسات القانونية والمجتمع المدني يكتسي أهمية خاصة، باعتباره مدخلا نظريا مهمًّا يمكن الباحث والفاعل الجمعوي معا من الأساسيات المعرفية ويؤهلهما للاضطلاع بدورهما في ممارسة سياسية وديمقراطية تشاركية سليمة.

لقد أضحى المجتمع المدني في الوقت الراهن يشكل إحدى أدوات التغيير الفعلية، إذ لم يعد يقتصر دوره على تقديم الخدمات التنموية فحسب؛ بل أصبح يضطلع بمهام أساسية في الدفاع عن الديمقراطية والحقوق والحريات ومحاربة الفساد بكل أشكاله، والدفاع عن حقوق الإنسان والحق في الاختلاف والمشاركة في صنع القرار وتدبير الشأن العام المحلي والوطني.

وبمعنى آخر، فإن مهمة المجتمع المدني هي توعية الأفراد من اجل الانتقال بهم من واقع الرعية إلى المواطنة والمشاركة في بناء المجتمع. وبذلك، لم يعد كافيا مجرد التحدث وعرض الأهداف والحقوق فحسب؛ بل باتت مسألة التغيير ضرورة ملحة ينخرط فيها المجتمع المدني بكل مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بما فيه وسائل الإعلام.

ومما لا شك فيه أن للإعلام دورا في التوعية والتعبئة والمتابعة والرصد والتنظيم فضلا عن قيامه بأدوار تتبع مراحل التخطيط للحملات الميدانية التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني والتي تستهدف التغيير على مختلف مستوياته. وعليه، فإن الإعلام يلعب دورا بارزا، فمن دون إعلام مهني لا يمكن التحسيس والتعريف بالمجهودات التي تبذلها منظمات المجتمع المدني.

وهذا ما يؤكد أنه لا يمكن الحديث عن مجتمع ما بعيدا عن ثلاثة مرتكزات أساسية: قضاء مستقل ونزيه، صحافة حرة ومستقلة، ومجتمع مدني قوي وفعال، والتي هي مقومات المجتمعات الحديثة، فلا تنمية بدون إعلام.

من خلال اطلاعنا عن قرب عن واقع الممارسة فيما يخص العلاقة بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، تبدو لنا أنه ليس هناك مواصفات محددة للعلاقة بين الإعلام والمجتمع المدني يمكن اعتبارها مقياسا أو مؤشرا لعلاقة جيدة أو غير فاعلة؛ لكن يمكن القول إن العلاقة بين الطرفين علاقة تكاملية، وعلاقة تأثير وتأثر، مما يجعلها يغلب عليها طابع السطحية لعدم قيامها على رؤية بعيدة المدى.

لكن تبقى النظرة السائدة لدى البعض في المجتمع المدني إلى الإعلام كناقل لخبر أو حدث معين بعيدا عن تأثيره في ذلك الحدث، وفي التعريف به، وفي التحكم في اتجاهاته الأساسية، ضمن رسالة تساهم في توجيه الرأي العام؛ غير أن من ينظر إلى الإعلام بهذه النظرة يكتفي بما يعتبره شهادة توثق النشاط أو الحدث المقام يتم الحصول عليها من إعلامي عن نشاطه أيا كان مستواه أو أثره، مما يساهم في تعميق هذا النظرة الخاطئة.

وفي المقابل، نجد أن اهتمام مختلف وسائل الإعلام بمنظمات المجتمع المدني يركز على تغطية الأنشطة التي تقوم بها تلك المنظمات بصورة آنية وسطحية، دون متابعة لأهم القضايا التي تثيرها تلك المنظمات ومحاولة توسيع نطاقها للوصول عبرها إلى نتائج أكثر إيجابية لصالح الطرفين ولصالح المجتمع ككل.

ولإقامة علاقة متينة بين وسائل الإعلام والمجتمع المدني، يجب أن تراعي المصالح المشتركة لكلا الطرفين. وفي ذلك يجب أن نراعى سعي منظمات المجتمع المدني إلى تأمين التغطية الإعلامية للنشاطات والتحركات التي تقوم بها؛ وهو دور أقرب لأن يكون إخباريا، فيساهم في الترويج للقضايا التي تعمل عليها وفي توعية الجمهور لها، مستفيدا من التأثير الكبير للإعلام في المجتمع.

وإذ تنخرط وسائل الإعلام في الحملات، وتتبناها كإحدى قضاياها الأساسية، فتساهم في إثارة الرأي العام وتعبئته؛ بل تساهم في صناعة رأي عام قادر على الاستجابة إلى تحديات التغيير.

وفي كلتا الحالتين، هناك تواصل مفقود يتطلب جهودا متبادلة من كلا الطرفين، من خلال تجاوز الإكراهات التي تحول دون تحقيق الهدف المنشود من وراء هذه العلاقة، وهي إكراهات يمكن تجاوزها، إذا ما تضافرت جهود كلا الطرفين وتم التعاون بينهما من خلال إنشاء آلية تواصلية، واعتماد منظمات المجتمع المدني لإستراتيجية إعلامية فعالة ملحقين صحافيين بها..

وفي المقابل، يتعين على وسائل الإعلام أن تبادر إلى تكوين متخصصين في أنشطة المجتمع المدني، لإحداث التغيير المطلوب في المجتمع، وهو هدف مشترك لوسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.

وعلى المستوى الأكاديمي، كانت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا قد انتبهت إلى الأهمية الخاصة التي أضحى يقوم بها المجتمع المدني بعلاقة بالإعلام والاتصال، وبادرت إلى إحداث إجازة مهنية للدراسات القانونية والمجتمع المدني، والتي جعلت من بين موادها مادة المجتمع المدني والإعلام والتي أشرف على تأطيرها أحد الأساتذة الباحثين في الإعلام والاتصال والتنظيمات المدنية والممارس للصحافة.

بريس تطوان/المصدر


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.