أعلام الفهرسة في تطوان... محمد بن قاسم ابن زاكور الفاسي (2) - بريس تطوان - أخبار تطوان

أعلام الفهرسة في تطوان… محمد بن قاسم ابن زاكور الفاسي (2)

بريس تطوان

“نشر أزهار البستان فيمن أجازني بالجزائر وتطوان من فضلاء الأكابر والأعيان”

هي رحلة فهرسية تذكر الشيوخ الذين جلس إليهم المؤلف، وما استفاده منهم، وما أخذه عنهم من إجازات علمية تخل له شرعية ما يحمله من رواياتهم وأسانيدهم ومصنفاتهم.

وهي لا تقوم على وصف ما رآه الكاب من مشاهد وديار وعادات وتقاليد وغرائب الأمصار، مما هو في مثل هذا النوع من التأليف. وإنما هو عمل رحلي فهرسي يبتدأ بجلوس ابن زاكور في حلقات التدريس والعلم بمدينة الجزائر واختلافه إلى علمائها وشيوخها، فيأخذ عنهم مختلف العلوم المتدولة في عصره. حتى إذا ما ملئ الوطاب ركب البحر عائدا إلى الحاضرة التطوانية ليجلس إلى شيوخها وفقهائها متوجا دراسته بحصوله على إجازاتهم لينهي العمل عند هذا الحد.

وكما نرى من عنوان الكتاب نجد مؤلفه اعتمد تقسيما مكانيا لمواده حيث ينقسم إلى قسمين:

أ – القسم الأول: الحديث عن مدينة الجزائر، وما حظي به ابن زاكور من لقاء الشيوخ بها وجلب إجازاتهم والاستفادة منها:

وخصوصا أن هذه المدينة تميزت في تلك الفترة باحتضانها امجموعة من الأئمة الأعلام الأفذاذ الذين “ينجلي بهم الإظلام، وشموس أئمة تنفرج بهم كل غمة، وتفتخر بهم أحبار هذه الأمة” (). فأخذ عن:

– أبو حفص عمر بن محمد بن عبد المومن المنجلاتي: أخذ عنه ابن زاكور علم الأصول، فقرأ عليه كتابي جمع الجوامع للسبكي، ومختصر ابن الحاجب الأصلي، بإحضار مختلف شروح الكتابين، “فشغف بذلك، وأعجبه لحرصه على العلوم”(). وبعد أن حصل ابن زاكور على شيخه هذه العلوم، طلب أن يجيزه،وألح عليه فكتب له هذا الشيخ إجازة، أوردها بتمامها في رحلته().

– محمد بن محمد بن عبد المومن الحسني الجزائري: حضر ابن زاكور في درس بعض المصنفات، فقرأ عليه “صدرا من كتاب جمع الجوامع للتاج السبكي، وبعضا من تلخيص المفتاح من باب الفصل والوصل، وأرجوزة ابن التسلماني في الفرائض. ووقعت مشاركة بينه وبين شيخه في المسائل العلمية والنوادر الأدبية(). وقبل أن يعود ابن زاكور إلى وطنه مدينة الجزائر، أجازه عامة مطلقة، أورد نصها بالتمام في ترجمته. وضمنها منظومة في المهم من العقائد والعبادات وأطلق له الإذن في روايتها وشرحها، وهي منظومة على غرار منظومة المرشد المعين لعبد الواحد بن عاشر.

– محمد بن سعيد بن قدورة الجزائري: حضر ابن زاكور في مجلسه، وسمع من إملائه جملة من الجامع الصغير، وأبوابا من صحيح البخاري “سماع دراية وتحقيق رواية”. وأعجب بدرسه وفصاحته. وطلب منه الإجازة، وألح عليه فيها بقصيدة بعد أن قرب موعد سفره. فكتب له نص إجازة عامة مطلقة أوائل رجب عام (1094هـ) وأوردها بتمامها في ترجمته ().

– أبو عبد الله محمد بن خليفة: اتصل به ابن زاكور واستفاد منه في درس التفسير. وكانت رغبة ابن زاكور قوية في أن يقرأ عليه علوم البلاغة، ولا سيما بعد أن علم أن شيخه هذا أخذ بمصر على الشيخ ياسين العليمي الحمصي مختصر السعد على التلخيص، “قراءة تدقيق وبحث وتمحيص. فخاطب شيخه في ذلك وواعده الشيخ بتلبية مطلبه عند ختم تفسير القرآن. غير أجل الشيخ لم يمهله فتوفي عن قريب في شهر ربيع الثاني عام (1094هـ).

وبترجمة هذا الشيخ الرابع تنتهي رحلة ابن زاكور إلى الجزائر، ومعها ينتهي القسم الأول من كتاب أزاهر البستان.

ب – القسم الثاني: الحديث عن تطوان وما حازه المؤلف من إجازات

– الشيخ علي بركة: ويستأثر هذا الشيخ باهتمام ابن زاكور دون بقية شيوخ تطوان فيكون شيخه الخامس في الترتيب ممن ضمهم كتاب نشر أزاهر البستان.

ويطول حديث ابن زاكور عن شيخه هذا، فيجلب من شعره ومنظوماته ومساءلاته الكتابية لأشياخه وأجوبتهم، الشيء الكثير. وحضر عنده شرح جمع الجوامع للجلال المحلي، وشرح ألفية ابن مالك، ومختصر خليل والتحفة لابن عاصم. كما جلس إليه في قراءة صحيح البخاري وغيره من المصنفات والعلوم(). وحين قربت عودة ابن زامدكور إلى فاس كتب له شيخه إجازة مطولة، سمى فيها شيوخه ()، وما قرأ عليهم. وبنص هذه الأجازة يستوفي ابن زاكور رحلته، وذكر شيوخه الخمسة الذين اجازوه في الجزائر وتطوان.

وتكشف هذه الإجازات عن أهميتها في الاتصال العلمي بين الشيخ والطالب، والسلف والخلف. فشرعية الأخذ بهذه العلوم والتصرف فيها بالرواية والإقراء أو غيرهما، لا يتم إلا بعد أن يأذن الشيخ بذلك. ولا يأذن الشيخ في الغالب إلا بعد أن يكتمل أخذ الطالب فيها بالجلوس إلى شيخه والاستفادة من تجربته، كما فعل هو – أي الشيخ – مع شيوخه، فهي تسلسل واستمرار للتجربة العلمية، وحائل دون تسيب على العلم ونصوصه().ذ

ولذلك كانت أهمية الإجازة كبيرة عند الشيوخ والعلماء، يحرصون عليها ويلحون على الأخذ بها، ويتسابقون على مجالس الدرس للفوز بها. وقد بلغ الحرص بالعلماء إلى أنهم كانوا يحتفظون بنصوص إجازات أشياخهم بخطوطهم الأصلية، لتكون الشهادة بذلك على صدق اتصالهم بكاتبيها، واكتساب الشرعية في الحمل عنهم، وربط أسباب العلم بأسبابهم. ومن هنا تبدو القيمة العلمية للرحلة التي قام بها ابن زاكور المدينتي الجزائر وتطوان.

وتصور هذه الرحلة الجو العلمي وما يجري من درس في حلقات الشيوخ، من مادة وعلوم ومصنفات، ورغم تباعد الحلقات العلمية التي يمثلها شيوخ نشر أزاهر البستان، فإن توحد المقررات العلمية، والمصنفات التي تقوم بها، تبقى السمة المميزة لحركة الدرس العلمي في هذه المناطق، فالتفسير والحديث والفقه والأصول والتوحيد والنحو والبلاغة والمنطق، هي مواد التكوين الأساسية. وكتب: الجامع الصحيح للبخاري، وجمع الجوامع للسبكي، ومختصر خليل، وتحفة ابن عاصم وألفية ابن مالك، وتلخيص المفتاح للقزويني، وشروح السعد عليه، والمختصر المنطقي للسنوسي، والجمل للخونجي، والسلم للأخضري، والكبرى، والصغرى للسنوسي ومع شروح هذه الصفات المختلفة، هي المقررات التي تهيئ الرصيد المعرفي للطالب في هذه الفترة().

كما تصور جانب من جوانب الاتصال الثقافي بين المغرب وبعض حواضر العالم الإسلامي. وهو جانب يأتي في وقت كان المغرب قد عاد وبقوة تلك الصلات الثقافية التي كانت تربطه بمجالس العلم في المشرق. فكثرت الرحلة من علماء المغرب للاخذ عن شيوخ تونس ومصر والشام والحجاز. ويسجل العديد من هؤلاء العلماء ذكريات الرحلة، وما استفادوه خلالها من لقاء الشيوخ والحمل عليهم، وما استحلبوه معهم عند العودة من علوم ومصنفات.

وتأتي رحلة ابن زاكور العلمية لتسجل حدثا في تاريخ الاتصال بحاضرة الجزائر، وربط الصلات الثقافية مع علمائها. ولطالما غاب ذكر الجزائر في هذه السياق، وفي أكثر فهارس ورحلات مغاربة القرنين العاشر والحادي عشر. فلم تكن حاضرة الجزائر من قبل مغرية بالرحلة إليها، لوجود حاضرتي تلمسان في غربها، وتونس في شرقها، وقد تركزت فيهما الحركة العلمية، فكانتا مقصد الرحلة من علماء المغرب، وكانتا أكثر تأثيرا في ساحته الثقافية، لتوافد كثير من علمائها على المغرب، وبالأخص في القرن العاشر().

ولا نسجل تبادلا ثقافيا واضحا بين حواضر المغرب ومدينة الجزائر، إلى من القرن الحادي عشر، مع الشيخ أبي عثمان سعيد قدورة الجزائري، وقد أخذ عنه طلبة المغرب، ومع أبي الحسن علي بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي نزيل الجزائر. وقد استقر بها في المرحلة الأخيرة من حياته، دفع فيها حركة الدرس، وأيقظ النشاط العلمي بها.

وتبقى رحلة ابن زاكور نشر أزاهر البستان فيمن أجازني بالجزائر وتطوان، رحلة فهرسية مميزة بين رحلات القرن الحادي عشر. سواء بوقائعها و أحداثها الخاصة وصياغة ابن زاكور لها بطريقته الأدبية، أو بما احتوت عليه من نصوص ومواد علمية، قامت على إيراد نص إجازات الأشياخ، أو في أسلوب الكتابة الأدبية الرائعة التي تأنق ابن زاكور في صناعتها وصياغتها، ليكون ذلك الأنموذج الأقرب للنثر الفني عند ابن زاكور، بعد غياب ديوانه النثري جمع فيه رسائله وخطبه.

العنوان: فهارس علماء تطوان (تطوان من خلال كتب التراجم والطبقات)

للمؤلف: عدنان الوهابي

منشورات باب الحكمة

(بريس تطوان)

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.