أسماء سفراء تطوان… سفراء المولى إسماعيل إلى انجلترا (3) - بريس تطوان - أخبار تطوان

أسماء سفراء تطوان… سفراء المولى إسماعيل إلى انجلترا (3)

بريس تطوان

وكان القرن التاسع عشر القرن الذي بلغت فيه العلاقات الطيبة بين المغرب وبريطانية العظمى أوجها، إذ كانت الرغبة في تطوير هذه العلاقات وتقويتها متبادلة بین مسئوليهما، فالجانبان معا كان يحسان بتعاطف وتشابه مصالحهما ومنافعهما، فمن جهة انجلترا كان حرصها قويا على أن يبقى المغرب مستقلا موحدا، وان لا تجد أية دولة أوربية موطئ قدم في ترابه، سيما في سواحله الشمالية الغربية القريبة من مدخل البحر الأبيض المتوسط والمواجهة لقلعة جبل طارق، علاوة على أن المغرب بحكم امتداد سواحله الأطلسية إلى نهر السنيغال وامتـداد أطرافه الجنوبية الشرقية إلى وسط الصحراء الكبرى والمناطق القريبة من مدينة تنبكتو الشهيرة في جمهورية مالي الحالية – كان سوقا للبضائع البريطانية وطريقا للقوافل التي تنقلها إلى قلب إفريقيا والتي تحمل إلى الموانئ المغربية البضائع الصحراوية والإفريقية التي يرغب التجار الانجليز في تزويد الأسواق والمصانع البريطانيا بها، كالجلود، والتمر، والبهارات والعلك وريش النعام، ومن جهة المغرب كان القلق ينتابه من الأطماع التي لم تعد بعض الدول الأوربية تخفيها في امتلاك أرضه والاستئثار بخيراته، سيما عندما احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830 واستولت إسبانيا على جزر ملوية سنة 1847 وأعلنت الحرب على المغرب سنة 1859م، فكان المغرب يرغب في أن تكون بجانبه بعض الدول الأروبية الكبرى التي لا تبدي حكومتها وصحافتها مطامع في امتلاكه. ولا يفرق بينه وبينها عداوات “تاريخية” كتلك التي تفرق بينه وبين اسبانيا والبرتغال، وقد لعب في تطوير هذه العلاقات وتنميتها في هذا القرن عدد من المسؤولين المغاربة والانجليز، يأتي في طليعتهم من الجانب الانجليزي السير جون هاي دريموند هاي وزير بريطانيا العظمى الذي استمرت إقامة والده ادوارد من قبله في المغرب نحو ستين سنة، فالي هذا الدبلوماسي الحكيم الذي لم يكن يبخل على السلاطين بالنصح والإرشاد والمعونة، وإلى أمثاله من الدبلوماسيين والولاة المغاربة، كمحمد بن عبد السلام السلوي، وبوسلهام بن علي ازطوط، ومحمد الخطيب، ومحمد بركاش، ومحمد بن العربي الطريس، والحاج محمد الزبدي، وبناصر غانم، يرجع السعي المشكور والفضل المأثور في تقوية علاقات المغرب بالمملكة المتحدة خلال القرن التاسع عشر، على أن هذا لايعني خلو هذه العلاقات من أي شائبة تعكر صفوها، إذ من الطبيعي أن دولتين مستقلتين تختلفان دينـا ولغة وموقعا ومصالح لابد أن يحدث بينهما بين الحين والحين خصومات ومنازعات تطول تسويتها أو تقصر حسب تشبث الفريقين بوجهات نظرهما أو تساهلهما وميلهما إلى التسوية والترضية، على أن ما كان يحدث بين المغرب وبريطانيا من خلافات لم يكن يمس الجوهر، وهو الصداقة والتعاون والحرص المشترك على بقاء المغرب حرا وسيدا، و إنما كان ينشأ عن مشاكل المحميين القنصليين والتدابير الوقائية والصحية التي يقترحها القناصل والتماطل في أداء الديون وشطط القناصل في ممارسة مأموريتهم وسوء الفهم في تطبيق الولاة لنصوص بعض المعاهدات والاتفاقيات ولذلك كان كل خلاف يجد حله بشكل من الأشكال، فتخرج العلاقات من طور الغضب والاستياء إلى طور التصافي والوئام.

ومظاهر التعاون بين المغرب وبريطانيا العظمى خلال القرن التاسع عشر هي أكبر من أن تحصى وأكثر من أن تحصر، منها رفع درجة التمثيل البريطاني من قنصلية عامة إلى مفوضية فسفارة، واشتراك بريطانيا العظمى في اللجنة الصحية الدولية بطنجة، وعقد معاهدة التجارة والملاحة سنة 1856 وتزويدها المغرب بالأسلحة والذخائر الحديثة، وجهودها لإصلاح ذات البين بين المغرب واسبانيا سنة 1859 وسنة 1860 وتقديمها سلفا للمغرب يؤدي به الغرامة الحربية التي فرضتها اسبانيا عليه عقب حرب تطوان، ومشاركتها في بناء منار أشقار الواقع في غرب طنجة وتسييره سنة 1865، والإشارة على المغرب بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بمدريد سنة 1880 للنظر في المشاكل التي تنجم عن منح قناصل الدول الأجنبية حمايات دولهم للرعايا المغاربة، وتأكيدها لوحدة التراب المغربي وثبوت حدوده الجنوبية.

والشرقية، واستقرار عدد من التجار المغاربة في انجلترا وعدد آخر من التجار والمنشآت البريطانية في المغرب، وفتح مكاتب للبريد الانجليزي بالمواني والمدن الداخلية المغربية، وفتح قنصلية مغربية بجبل طارق وأخرى بمالطة، وإرسال عدد من الطلبة المغاربة لتعلم مختلف العلوم والفنون بانجلترا وجبل طارق، واستقدام الأطباء الانجليز لمعالجة المرضى المغاربة والضباط الانجليز لتدريب الجيش المغربي والإشارة على المغرب بتجديد الفلاحة والصناعة وإدخال بعض آلات المواصلات الحديثة وحتى القطار والمراكب الصغيرة البخارية والكهربائية إليه، وسك العملة المغربية بلندن، وتبادل الهدايا والمبعوثين الخصوصيين بين السلاطين والملكة فيكتوريا، أما المشاكل ذات الطابع الاستعماري، كمشكلة جزيرة المعدنوس الواقعة بين سبتة وطنجة ومشكلة ميناء طرفاية التي خلقها المغامر الانجليزي رونالد مكينزي فقد تمت تسويتها عن طريق التفاوض وبحسن التفهم.

ولما اقترب القرن التاسع عشر من نهايته حدثت تطورات في السياسة الأوربية وتعددت الأطماع في الاستيلاء على البلدان الإفريقية والأسيوية، وكان ذلك عقب ظهور ألمانيا وايطاليا كدولتين موحدتين وانعقاد مؤتمر برلين الذي حدد مناطق نفوذ الدول الكبرى في العالم، وكان المغرب واحدا من الأقطار التي تحدد مستقبلها بين القوى الاستعمارية العتيقة والناشئة، فشرعت فرنسا في إجراء مفاوضات وعقد اتفاقيات سرية وأخرى علنية تخص المغرب، واستطاعت ان تتفاهم مع ايطاليا واسبانيا ثم مع انجلترا التي عقدت معها يوم 8 ابريل سنة 1904 الاتفاق الودي الشهير الذي تنازلت فرنسا بمقتضاه عـن حقوقها في مصر مقابل تنازل انجلترا عن حقوقها في المغرب، ولم يحل دون وقوع المغرب تحت نظام الحماية ومعاناته للتقسيم إلى مناطق إلا الموقف المتصلب لألمانيا التي زار إمبراطورها (غليوم الثاني) مدينة طنجة سنة 1905 وخطب فيها أمام المبعوث السلطاني خطبته الشهيرة أكد فيها سيادة السلطان ووحدة تراب مملكته وتساوي الدول الأجنبية في التعامل الاقتصادي معه، فكان أن تلى ذلك سنة 1906 انعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي اشتركت فيه بريطانيا العظمى وأكد تلك المبادئ ولكن القوتين الأوربيتين المجاورتين للمغرب: فرنسا من الشرق والجنوب واسبانيا من الشمال ظلتا تكيدان للمغرب وتعملان على إضعافه وتمزيقه والاستيلاء عليه، حتى إذا أرضت فرنسا ألمانيا بالتنازل لها عن جزء من مستعمراتها بالكمرون زالت كل المعوقات والعراقيل التي كانت تحول دون فرض الحماية الفرنسية والاسبانية عليه وتقسيمه إلى مناطق نفوذ. فانعقدت بين المغرب وفرنسا يوم 30 مارس سنة 1912 معاهدة بفاس صارت فرنسا واسبانيا بحكمها مسئولتين عن سياسته الخارجية وأمنه الداخلي والخارجي، واحتفظ لطنجة ومنطقتها بنظام دولي تحت سيادة السلطان، وكان ذلك بضغط من بريطانيا العظمى التي لم تكن لتقبل أبدا وجود قوة أجنبية متمركزة في الضفة المقابلة لقلعة جبل طارق ولا نصب أسلحة ثقيلة فيها، فبقيت تلك المنطقة التي اشتركت بريطانيا العظمى في إدارتها منزوعة السلاح كما بقيت كذلك جميع الشواطئ المغربية الواقعة تحت الحماية الاسبانية بينها وبين مدينة سبتة، واستمر الوضع كذلك إلى أن استعاد المغرب سيادته الكاملة وتحرر من الشروط الثقيلة التي فرضتها عليه معاهدة فاس الممضاة سنة 1912 فسارعت انجلترا إلى التعامل مع الدولة المغربية الحرة السيادة كما كانت تتعامل معها قبل قرون طويلة، وارتفع التمثيل الدبلوماسي معها إلى درجة سفارة فصارت ممثلة في المغرب بسفير بعد أن كانت ممثلة فيه أيام الحماية بوزير مفوض يقيم في طنجة وقناصل عامين وقناصل كلهم معتمدون لدى السلطان، واتسم التمثيل الدبلوماسي المغربي في انجلترا بميزة لها أكثر من دلالة ومغزى، فقد عين جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله في منصب سفير المغرب في المملكة المتحدة ابن عمه صاحب السمو الأمير مولاي الحسن بن المهدي خليفته السابق بتطوان، وبعد انتهاء ماموريته عين جلالة الملك الحسن الثاني شقيقته صاحبة السمو الملكي الأميرة للاعائشة سفيرة لجلالته لدى جلالة الملكة – اليزابيث الثانية.

الكتاب: سفراء تطوان على عهد الدولة العلوية

للمؤلف: محمد الحبيب الخراز

(بريس تطوان)

يتبع


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.