نقرأ في موقع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصادي الاجتماعي التضامني أنها تعمل حاليا باستراتيجية سياحية ( خارطة طريق السياحة 2023-2026) قالت وزيرة السياحة عنها أنها تروم بناء صناعة سياحية مغربية من مستوى عالمي وأنها استراتيجية سياحية جديدة تعلق عليها آمال كبيرة بما تضمنته من برامج وطموحات مهمة للنهوض بالمنتوج السياحي وذلك بما تضمنته من برامج وتصورات جديدة للعرض السياحي .
سنتناول هنا بعجالة مصداقية هذه الأقوال وما ورد في هذه الخارطة ، وقد نعود للتطرق إلى برامجها الأخرى لاحقا
+ بخصوص دعم أصالة المنتوج السياحي المغربي جاء في هذه الخارطة أن السياحة المغربية رسخت ازدهارها وتموقعها منذ عقود باعتمادها على الأصالة، و سمح هذا الاختيار بتميز تنافسية المغرب وتموقعه مقارنة مع الوجهات المنافسة المباشرة وستعزز رؤية 2020 هذا الاختيار التاريخي من خلال منهجية استباقية مبتكرة تحافظ وتعزز التراث التفافي و الطبيعي للمملكة .
لا نجد في الاستراتيجية السياحية الجديدة منهجية استباقية مبتكرة لتعزيز ما جاء رؤية 2020 بل فقط اجترار بعض ما جاء في برنامج رؤية 2020( VISION STRATEGIQUE DEDEVELOPPEMENT TOURISTIQUE ) ” التراث والإرث ” علما بأن هذه الرؤية فشلت في تحقيق أهدافها كما كان الحال من قبل في رؤية 2010 وبرامج التنمية السياحية قبل سنة 2000 ( كتاب إسماعيل عمران : السياسة السياحية الجديدة بالمغرب 1956/2020 إشكاليات وتداعيات وبدائل) .
لم تستطع برامج السياسة السياحية منذ الاستقلال تحقيق ذلك بل كان همها هو جلب السياح الأجانب والاستفادة من نفقاتهم بالعملة الصعبة وكان الهدف هو الاستجابة لرغبات السياح لقضاء عطلهم الترفيهية ولو على حساب مسخ بعض أصالة المنتوج السياحي وخدماته ، هؤلاء السياح ينفقون بسخاء للتمتع بعطلهم لهم ثقافة وسلوكيات مغايرة لمبادئ مجتمعنا المحافظ ، ومع كثرتهم وطول فترات تواجدهم بالوجهات السياحية يؤثر
ذلك على ساكنة هذه الوجهات وخصوصا فئة الشباب التي تقوم بتقليد هذه السلوكيات السلبية .
إن دعم أصالة المنتوج السياحي المغربي والحفاظ عليه يقتضي العمل بدارسة حول حقيقة تواجد مكونات أصالة خدمات هذا المنتوج السياحي عند تقديمه للسياح كشكل وأنواع بناءات المنشآت الإيوائية وأثاث تجهيزها بمنتوجات الصناعة التقليدية ، والطبخ المغربي الأصيل والأواني المستعملة عند تقديمه، ولباس مستخدمي العاملين بهذه المنشآت ، ومجال ومكونات مرافق الترفيه والتنشيط السياحي الخ. والعمل بأصالة خدمات المنتوج هذا سيسفر عن إنعاش منتجات الصناعة التقليدية والحفاظ على موروثنا الثقافي والحضاري وإدماج النشاط السياحي ضمن المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد، وهذا يمكن تحقيقه مثلا عن طريق العمل بقوانين محددة واحترامها ، وتحفيز المستثمرين والمهنين السياحيين للعمل بها لنضفي بذلك زخما جديدا وجاذبية للمنتوج السياحي المغربي وأصالته.
+ بخصوص استدامة المنتوج السياحي جاء في الخارطة السياحية 2023/2026 أنها ستضع برامج رؤية 2020 حول التنمية المستدامة في قلب طموحها و ذلك بمواكبة التوجهات العامة المعتمدة في البلاد فقد تمكن المغرب من الحفاظ على موارده وأصالته وهو يتوفر في هذا الصدد على إمكانيات حقيقية وكبيرة . وجاء في هذه الاستراتيجية أيضا أنها تروم بناء صناعة سياحية مغربية من مستوى عالمي وأنها ستجعل أصالة المنتوج السياحي واستدامته في قلب طموحاتها .
إن تحقيق استدامة المنتوج السياحي عملا بخارطة الطريق هذه يعني أنها سترجع بنا إلى برامج رؤية 2020 للعمل بها علما بأن هذه الرؤية تم تسطيرها خلال سنة 2010 وفشلت في تحقيق أهدافها ومن ثم كان يجب الرجوع إلى أسباب فشل هذه الرؤية وتحيينها قبل العمل بالاستراتيجية السياحية الجديدة 2023/2026 ، علما أيضا الرهان على قطاع السياحة وإعطائه الأولية للخروج من التخلف كما قيل كانت له كانت له تداعيات سلبية وخصوصا على الموروث الثقافي والمجال البيئي والأخلاقي خلال عمل الحكومات السابقة بسياستها السياحية.
إن استدامة المنتوج السياحي ، حسب المنظمة العالمية للسياحة والمواثيق الدولية التزم المغرب بالعمل بها هي احترام الأصالة السوسيو/ثقافية للوجهات السياحية والحفاظ على الموروثات الثقافية وقيمها الأصيلة ومراعاة استغلال المؤهلات السياحية بطريقة رشيدة في المجالات البيئية والموروث الثقافي والحضاري لساكنة الوجهات السياحية .
يمكن القول أنه لم يتم العمل على استدامة النشاط السياحي خلال برامج السياسة السياحية للبلاد وتنميتها منذ
الاستقلال ، وكدليل على ذلك نذكر هنا مثلا أنه خلال فترة الاستعمار الإسباني بالأقاليم الشمالية عموما وبتطوان خصوصا كان شاطئ مرتيل يجلب العديد من المصطافين وكان بالشاطئ ثلاثة أماكن للمستحمين عليها حراس : الأولى خاصة بالنساء فقط وبالأطفال الصغار والثانية خاصة بالرجال والثالثة للرجال والنساء مختلطين.
كنا ونحن صغار السن نذهب إلى الكرورة (cabo negro) كان بها كهوف نتمتع فيها برؤية الأسماك تسبح في مياه صافية نحاول صيدها ، بضع سنوات بعد الاستقلال والرهان على السياحة احتضن شاطئ cabo negro منشأة سياحية لنادي أوربي معروف يجلب السياح الأجانب و كنا نرى ونحن الصغار شيء غير عادي : سياح أجانب
نساء ورجال يسبحون عراة بدون ملابس!.
بضع سنوات بعد الاستقلال ومع سياسة الرهان على السياحة تم قطع مساحات كبيرة من الأشجار المحيطة بالشواطئ (كانت تعطي لها رونقا وجمالا وتنعش أجواءها ) ، ونهب رمالها لإحداث فضاءات كبيرة بالشواطئ الممتدة بين مرتيل والفنيدق لبناء منشآت إيوائية وفيلات الخواص، هذا العمل شمل أيضا شواطئ الجهة الشرقية لتطوان كأزلا وواد لو وما جاورهما . كان هذا العمل مادة دسمة لكتابات دول أوربية جعلت منه موضوع حول كيف يتم إهدار المؤهلات السياحية بدول الجنوب .
تجلب حاليا شواطئ تطوان وما جاورها والأقاليم الشمالية عموما مئات الآلاف من المصطافين خصوصا المغاربة لا تتحملهم طاقة هذه الشواطئ وتزدحم بهم الطرقات المؤدية إليها وتختنق بسبب حوادث السير وتظل قوافل السيارات واقفة لأوقات طويلة تحت أشعة الشمس الصيفية الحارقة للوصول إلى المحطات الشاطئية بينما كان في أيام الاستعمار قطار يصل تطوان بمدينة وسبتة السليبة مرورا ما بينهما من أماكن .
بالإضافة إلى هذه المعاناة بالمحطات الشعبية وعند وصولها فهناك معاناة أخرى حدث عنها ولا حرج كغلاء كل شيئي وأسعار الإقامة بالمنشآت الإيوائية وبالدور المفروشة ودور الخواص ، و قبل ذلك يصعب عليك أن تجد مكان لإيداع سيارتك ثم أداء ثمنها الباهظ ، أما إذا أردت الدخول إلى الشاطئ فقد فلا تجد لك مكان فيه وعليك أداء ثمن ولوجه لفائدة المستحوذين عليه الذين ملؤه بالكراسي والمظلات . بعد تخطي هذه الحواجز ودخول البحر تجد نفسك بين خليط من المستحمين رجال ونساء شباب وشابات وأطفال شبه عراة منهم من يلعب الكرة ومنهم من يتزحلق على المزحلقات ومنهم يمتطي مراكب آلية يسابق بها الأمواج ، وقد تلقاك كومة من النفايات والقارورات وأكياس البلاستيك تلقي بها أمواج البحر بعد ذلك وتخرجها إلى الشاطئ لتجتمع عليها الحشرات والناموس والقاذورات، أما إذا أردت مغادرة هذه المحطات الشعبية بمرتيل أو المضيق مثلا وتذهب إلى تطوان فسترى ازدحام على وسائل نقل الخواص وحافلات النقل العمومي المهترئة ، وأما ليلا فسيصم أذانك إلى الفجر ضجيج مكبرات الصوت وصخب الحفلات ، وهذا ما يدفع بالكثير (من يستطيع ) الهروب إلى وجهات سياحية أكثر راحة وأقل ثمنا بإسبانيا وغيرها.
إن السياحة الوطنية ( الداخلية ) التي تريد الاستراتيجية السياحية زيادة حجمها ثلاث مرات فإن تطوان وشواطئها وشواطئ الأقاليم الشمالية عموما وساكنتها ومئات الآلاف من المصطافين الوافدين عليها يعانون نتيجة توافد هذا الكم الكبير منهم ويعاني المحيط البيئي ويتم التضحية به فالأشجار خلقها الله لتضفي جمالا وتلطيفا للأجواء تم قطعها ، والشواطئ ذات الرمال الذهبية ومياهها الزرقاء تم تلويثها ، والطرقات تئن من اختناقها ، وحفلات الليل تتنافس بصخبها الخ. هذا المحيط البيئي إذن مرض ويتم هدره فلم يعد يتحمل عدد المصطافين والوافدين نتيجة سوء تدبير مجال السياحة الوطنية ونتيجة سلوكيات الإفساد والفساد فحق القول إذن (ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُون ) صدق الله والعظيم والحمد لله رب العالمين.