جعل نور الدين توفيق، من اللهجة الجبلية وتراث وعادات وتقاليد ونفائس مناطق الشمال المغربي، رأسمالا ثمينا وطريقا للنجاح في تجربة مختلفة كليا عن المألوف بمجموعة وسائل “السوشل ميديا” من تفاهة وإطناب ونبش في أعراض الناس وأسرار الأسر، بحثا عن أعلى نسب المشاهدة ومضاعفة دخلهم الضخم من “الأدسنس”.
رسم هذا الشاب البشوش الذي لا تفارق البسمة محياه ولو حزن واعتصر قلبه ألما، خارطة طريق تميزه بما ينشره من محتوى يمتح من التراث الجبلي الكثير، ما مهد طريق نجاحه في مغامرة خاضها منذ سنتين، بعدما أنهى دراسته الجامعية وحصل على الإجازة في تخصص علم الاجتماع من كلية الآداب بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان.
لم يحتج نور الدين ابن دوار بجماعة زومي بإقليم وزان، حيث ترعرع وشب ودرس، للكذب والنفاق ولا للتسول الإلكتروني أو المغالاة في تضخيم الأنا واللعب على أوتار ألم الآخرين، واعتمد على إمكانياته البسيطة ليؤسس لتجربة مختلفة رأسمالها ابتسامته وعفويته وتلقائيته وما خزنه في ذاكرته من معلومات عن قبائل جبالة وسكانها.
“أحبنا الناس من قلوبهم لأن السر في الطبيعي وتثبيته والحفاظ عليه وعدم التصنع”، يقول الشاب، مشيرا إلى أنه حريص على أن يراه الناس كما هو دون تصنع في كل فيديو ينشره في صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، لأن “هدفي ليس الربح والزيادة فيه، بل تقديم بقعة في جغرافية وطني، حبلى بما يستحق الالتفاتة والاهتمام”.
وقال “لا أنكر اصطدامي في انطلاقتي مع بداية 2022، بصعوبات مختلفة ومتنوعة وكثيرة خاصة ما يتعلق بتوفير تكاليف معدات التصوير وغيرها وما رافق ذلك ونشر المحتوى من محاولات إثبات الذات لتوسيع قاعدة المتابعين والمهتمين بكل ما أنشر”، مستدركا “لكن الحمد لله تغلبت على ذلك، وأحبني الناس لما عرفوني”.
ولا ينكر أن تلقائيته وعفويته كانتا سببا في شهرته بعد التغلب على كل محبطات البداية، كما الصورة التي كونها المتابع عنه إنسانا بسيطا محبا للخير يعرف بكل ذخائر ونفائس منطقته من تاونات إلى طنجة وما بينهما وفي جهتيهما، ويكشف تقاليدها وعاداتها ومشاكل أهلها ويعرف بكل ما هو محلي وفي قالب فكاهي فريد.
ويؤكد أن “الهدف بالنسبة إلي كان وما زال هو الحرص على إيصال ثقافتنا المحلية على تنوعها، وصوت مناطقنا وإحساس وألم سكانها، إلى أوسع شريحة من المتابعين ليس داخل الوطن، بل إلى حيث يوجد مهتم باكتشاف جبالة وجمال الأرض والإنسان”، مؤكدا جمعه قاعدة واسعة من المهتمين من أبناء المنطقة القاطنين خارجها.
ويضيف “أعشق الثقافة المغربية ككل والجبلية بالخصوص، والمغرب الحمد لله يزخر بتنوعه الثقافي ويجب أن نكون خير سفراء للتعريف به وتقديمه في طبق يحببه للناس، لمن لا يعرفه ويطمح للتعرف عليه”، مع الحرص على إبداع طرق خاصة للتعريف به، على غرار ما قام به من عرضه ببشاشة وجه وفي قالب فكاهي خاص.
في أشرطة الفيديو التي ينشرها نور الدين توفيق، لا يمكن أن تجد غير تلك الناطقة بلسان حال المنطقة وأهلها ومعاناتهم ومصادر الألم، وما يتنفسونه من هواء نقي في طبيعة خلابة يقدمها بطريقته كما عادات أخرى تميز منطقة جبالة دون غيرها، دون أن يكل أو يمل من تحول “السوشل ميديا” فضاء للإبداع وليس للتنابز بالكلمات.
ويقول “ليس كل ما في “السوشل ميديا” رديئا وغارقا في التفاهة في صورة ثابتة في أذهان الجميع”، ف”هناك من دخل التجربة ليس بحثا عن المال بل غيرة عن منطقته، مسلحا بزاده من المعرفة والبشاشة، لتقديمه في أحسن صورة يتوخى معاينة الغير لها”، ما نجح فيه نور الدين بعدما استثمر تخصصه في إبداع محتويات فيديوهاته.