2- المرأة المتصوفة القانتة
رغم قلة المصادر التي تصف نساء تطوان بأوصاف معدودة ضمن مراتب التصوف كالوليات والصالحات يبدو أن بعضهن حصلن على ثقة بعض العلماء، وأصبحن ينعتن بالمتصوفات بغض النظر عن درجات التصوف التي وصلن إليها، وهذا ما نلمسه في أقوال بعض المؤرخين الذين يصفن بعضهن بقولهم … وكانت من الصالحات.
ويتيح لنا كتاب العلامة الرهوني التعرف على مثل هذه النماذج من النساء المتصوفات منvخلال الأوصاف التي أرخ بها مثلا لسيرة اللا غيلانة» بقوله : كانت تعبد ربها متبتلة منقطعة عن الأزواج وعلاقات الرجال إلى أن توفيت ودفنت بزنقة المطامر وقبرها مشهور ويزار».
ومن النساء اللواتي ذاع صيتهن أيضا في هذا الباب السيدة «حبيبة الريسونية» وهي امرأة صالحة وقانتة توفيت عام 1339 هجرية، ودفنت في مدخل زاوية سيدي علي بركة الأندلسي، وكذا السيدة شوعة بنت محمد بن الصادق بن ريسون. واشتهرت نساء أخريات من عائلة بن ريسون منهن السيدة «السعدية» شقيقة القطب سيدي عبد السلام بن ريسون، وكانت من أهل الفضل والدين.
ويتحدث سيدي أحمد بنعجيبة في فهرسته عن صور تعبدية من سيرة أمه «رحمة بنت سيدي محمد فيقول: وهي في قيد الحياة متعبدة ناسكة شديدة الخوف من الله تعالى، تقرأ «الزروقية بكرة وعشية مع عمارة جل أوقاتها بذكر الله حريصة على فعل الخير، متخلقة بالجود والكرم والحلم والشفقة والرحمة على جميع الخلق.
ويصف العلامة التهامي الوزاني في سيرته البيئة التي نشأ فيها وهو ثمرة لجينيالوجيا عائلية عريقة وممتدة، ولم يكن ليتم ذلك على الوجه الأكمل لولا وجوده مع جدته المتصوفة، وتأثيرها في تكوين شخصيته، وهي التي أدخلت مباشرة الروح الفاضلة على نفسه، فيقول في مقتطف من كتابه الزاوية»… كنت صوفيا بطريق الوراثة والنشأة، فلم يكن التصوف يحتاج إلى شيء كي يتسرب إلى قرارة قلبي، بل إنني وجدت فيه من أول يوم استنشقت فيه نسيم الدنيا…». ويقول في موضع آخر من كتابه وجدتي هذه لا أكتم أنني كنت ألاحظ فيها شيء من الحدة إذا ألح عليها ملح، وكان لازال رأيي فيها كأم صالحة، إنها للمرأة الفاضلة الكاملة، ولم أكن أتصور أنها يصح أن تكون شيخة من الطراز الذي أطلبه، لاسيما وأنا أعتقد أن المرأة لا يتصور أن تبلغ مبلغ الرجال، وها أنا لو أخذت عنها فالحق بجدي يصح أن أذكره من سلسلة مشايخي، وما أكون أخذت عنها إلا ما أخذه جدي عن أبيه، ثم يرتفع السند إلى مولاي عبد الله الشريف. ويبدو جليا حرص بعض النساء على تربية أبنائهن تربية تكون على نفس المنهاج الذي انتهجه الأجداد، وكيف لقنوهم علوم الدين وحفظوهم آيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية.
كما يعكس ارتباط المرأة بالتصوف مدى تأثيرها بشكل كبير في الرجل المتصوف، كونها قريبة منه إما في منزلة أخت أو أم أو زوجة، في هذا الإطار يسرد العارف بالله بنعجيبة في فهرسته أخبارا عن زوجاته الشريفات وأنسابهن إلى عائلات عرفت بالتقوى والصلاح، وتعد السيدة رحمة بنت أحمد الجعيدي الزوجة الأولى من نسل الولي الشهير سيدي علي الجعيدي، أما الزوجة الثانية التي نعتها بالشريفة فهي منانة بنت السيد أحمد رحمون» من ذرية سيدي محمد بن مولانا عبد السلام بن مشيش.
بالإضافة إلى ذلك، فقد دعمت النساء حركة الصوفية بأوجه مختلفة، فعملن على تقديم المساعدة المادية للمتصوفة، ومنهن من تزوجت من أحد المتصوفة وأنفقت عليه مالا، وبنت له زاوية داخل دارها فشاع أمرها.
عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي
الكاتب: كتاب جماعي
الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)
بريس تطوان
يتبع…
تطوان قبل اسبانيا كان مثقفوها و علماؤها ايقونة و ذو بصمة في الوطن المغربي… و بعد الاستعمار تحول المثقفون الى هياكل تحن الى اسبانيا فيما حافظ فقط الفقهاء و جبالة على الرابطة التي تربطهم بالهرق التطواني الاصيل المتاصل