من "قرا بش تخدم" إلى "تعلم حرفة بش تخدم": تحولات سوق العمل في المغرب - بريس تطوان - أخبار تطوان

من “قرا بش تخدم” إلى “تعلم حرفة بش تخدم”: تحولات سوق العمل في المغرب

على مدى عقود، ظل التعليم في المغرب يُنظر إليه على أنه البوابة الرئيسية للنجاح الاجتماعي، حيث كان الآباء يرسلون أبناءهم إلى المدارس ليس حبًا في المعرفة فحسب، بل لضمان مستقبل وظيفي مستقر. غير أن هذا التصور، الذي ترسخ منذ الاستقلال، بات اليوم يواجه تحديات كبرى في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المغرب.

من الفلاحة والحِرَف إلى الوظيفة العمومية

قبل الاستقلال، كان النشاط الاقتصادي للمغاربة يعتمد أساسًا على الفلاحة والتجارة وبعض المهن الحرفية، بينما كان العلماء والفقهاء يحظون بمكانة خاصة داخل المجتمع التقليدي. لم يكن هناك مفهوم الوظيفة العمومية كما نعرفه اليوم، إذ لم تكن الدولة الحديثة قد اكتملت بعد بمؤسساتها وإداراتها.

مع استقلال المغرب، بدأت الدولة في بناء مؤسساتها الحديثة، ما أفرز حاجة ملحة إلى الموظفين لإدارة الوزارات والمرافق العامة. وهكذا، ظهر لأول مرة في المغرب مفهوم الوظيفة العمومية، التي سرعان ما تحولت إلى حلم لكل من أتم تعليمه، نظرًا لما كانت توفره من استقرار وظيفي ومكانة اجتماعية محترمة.

هذا التحول أدى إلى تغيير عميق في العقلية المجتمعية، حيث أصبح التعليم الوسيلة الأهم لتحقيق الارتقاء الاجتماعي، وصار شعار “قرا بش تخدم” قاعدة ذهبية لدى الأسر المغربية، التي دفعت بأبنائها إلى المدارس لضمان مستقبل أفضل بعيدًا عن المهن التقليدية.

تشبع القطاع العام وبروز أزمة البطالة

مع مرور الزمن، اكتمل بناء الدولة، وامتلأت المؤسسات العمومية بالموظفين، ما أدى إلى تراجع عدد الوظائف المتاحة. في المقابل، استمرت الجامعات في تخريج أعداد كبيرة من الشباب، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة سوق عمل لم يعد قادراً على استيعابهم. وهكذا، بدأت ظاهرة البطالة في الظهور بين حاملي الشهادات، الذين اصطدموا بواقع مغاير لما وعدهم به المجتمع.

هذا الوضع دفع الدولة إلى إعادة التفكير في نموذج التعليم والتشغيل، حيث بدأت توجّه الشباب نحو التكوين المهني، بهدف إعدادهم لسوق الشغل في القطاعات الصناعية والحرفية والخدماتية، بدلًا من انتظار الوظائف العمومية التي أصبحت محدودة.

نحو تغيير العقليات: تعلم حرفة بش تخدم

في ظل هذه التغيرات، تحاول الدولة إعادة تشكيل العقلية المجتمعية السائدة، عبر الترويج لفكرة أن النجاح ليس مرتبطًا فقط بالحصول على شهادة جامعية، بل بإتقان مهنة أو حرفة تفتح آفاقًا أوسع في سوق العمل. لهذا، أصبح التكوين المهني يحظى باهتمام متزايد، حيث يتم تشجيع الشباب على اكتساب مهارات عملية تمكنهم من دخول عالم الشغل كمهنيين أو رواد أعمال.

ورغم الجهود المبذولة، لا تزال هذه الرؤية تواجه تحديات، من أبرزها النظرة المجتمعية التي تعتبر الوظيفة العمومية أكثر استقرارًا من العمل الحر أو الحرفي. كما أن سوق الشغل نفسه يحتاج إلى مزيد من التنظيم والضمانات، حتى يصبح التوجه نحو التكوين المهني خيارًا جاذبًا وليس مجرد حل بديل.

خلاصة

اليوم، يجد المغرب نفسه أمام ضرورة التوفيق بين متطلبات سوق العمل والتصورات المجتمعية حول التعليم والوظيفة. فبينما يتجه العالم نحو تنويع مصادر الدخل وخلق فرص جديدة عبر ريادة الأعمال والمهن الحرفية، لا يزال العديد من الشباب متعلقين بحلم الوظيفة العمومية. لذلك، يبقى التحدي الأكبر هو إقناع الأجيال القادمة بأن النجاح ليس في “الوظيفة” فقط، بل في القدرة على التكيف مع متغيرات سوق العمل، سواء عبر التعليم الأكاديمي أو التكوين المهني.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. إلياس الصافي يقول

    ملخص جيد لما نعيشه في مغربنا كان صاحب المقال ـ الأستاذ فاروق ابرون ـ موفقًا فيه بارك الله فيه على هذا التحليل الذي يطرح مشاكل البطالة والحلول التي لم تعطي النتائج المنتظرة ونتمنى أن تتم مراجعة سياسة التكوين المهني حتى لا ينتج لنا ما أنتجته الكليات فنتحول من بطالة حاملي الشواهد الجامعية إلى بطالة أصحاب شواهد التكوين المهني ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.