معالم دخيلة تشوه عراقة المكان والبيوتات التقليدية بتطوان - بريس تطوان - أخبار تطوان

معالم دخيلة تشوه عراقة المكان والبيوتات التقليدية بتطوان

إن المحافظة على الملامح الأصلية للشوارع والمنازل والمباني العمومية، شرط من الشروط الرئيسة للحفاظ على مدينة تطوان، نلاحظ مثلا، أن عدد المنازل الخاصة القديمة ذات الطابع التاريخي والمعماري والفني الرفيع، قد تحولت إلى قاعات للأفراح وبزارات ومطاعم، وعرف عدد من المعالم التاريخية تشويها واضحا نتيجة هذه التحولات، والأمثلة كثيرة.

إن المنزل الذي بناه الأديب الكبير سيدي المفضل أفيلال خلال القرن التاسع عشر بحي السويقة بالمدينة العتيقة، أصبح الآن من البزارات التي شوهت معالم المدينة الأصلية، ولم تتغير دار اللبادي بالجنوي كثيرا، ولكن صور جبال الأطلس والشيخات وغيرها من الإضافات بهذه القاعة التي أطلق عليها اسم قصر بريشة، لا علاقة لها بتاتا بالفن التطواني الأصيل، أما المطعم الذي فتح أبوابه بدار بريشة بحي “الشريشر”، فقد تم تعويض الزليج التطواني الأصيل بأرضيته، بزليج عصري، ثم استعمل الزليج بالحائط طول الدرب الذي يؤدي إلى بابه الرئيسي، فشوه صاحب هذا المطعم . وهو من الأغنياء الجدد . هذه الدار الجميلة، أما دار الصدر الأعظم، السيد أحمد الغنمية السابق بحي “الشريشر” أيضا، فقد تم تشويه جزء كبير من معالمها الأصلية منذ الأسبوع الأول بعد تحويلها إلى بازار.

وعرفت دار بزنقة “الصفار” مصيرا مماثلا عند تحويلها إلى بازار، وهناك منزل قرب مطعم بوهلال بدرب (القرآن المسلس) عرف نفس المصير، ومن الواضح أن أصحاب هذه المشاريع التجارية الجديدة لا يهتمون بالمحافظة على التراث التطواني بقدر ما يهمهم تحقيق الأرباح السريعة. وفي باب تشويه المآثر التاريخية الهامة داخل أسوار المدينة العتيقة، تسكن عائلة منزلا داخل قصبة سيدي علي المنظري، وهي معلمة يعود تاريخها إلى خمسة قرون. وعرفت محطة القطار أمام رياض العشاق مصيرا مماثلا، إذ تسكنها عدد من العائلات المغربية (بل وسيدة ألمانية) بطريقة غير شرعية. وأصبح فضاء هذه المحطة التاريخية يباع كما تباع الأرصفة للباعة المتجولين بعدد من شوارع المدينة العتيقة وخارجها. كما أن حمام المنظري الذي يوجد بين جامع القصبة والمقاطعة رقم 1، قد تحول أولا إلى حانوت لبيع النظارات، ثم تحول من جديد إلى مقهى أو محلبة، يمكن للسائح أن يطلب كأس شاي منعنع بها.

وقد طمست المعالم الأصلية للحمام التاريخي، بتغيير شكل سقفه والزليج الأصلي بأرضه، مع إضافة الزليج العصري الرخيص.

وتم تشويه عدد من السقايات بالمدينة العتيقة، إما بتجريدها من الماء الذي كان يجري بها، أو بسماح الباعة المتجولين بعرض بضائعهم أمامها أو بالسماح بالبناء العشوائي البشع بجانبها، أو باجتماع هذه العوامل كلها كما هي حالة السقاية التي بناها حاكم تطوان عمر لوقش في القرن الثامن بباب العقلة. أما أبراج المدينة فمنها ما عوضه البناء العشوائي كما هو الحال بالنسبة لبرج باب النوادر الذي طمست معالمه الأصلية، ومنها ما تحول إلى مزبلة كما هو الحال بالنسبة للبرج المريني المطل على مقبرة المدينة.

ونذكر في مجال توظيف المعالم التاريخية لأغراض لا تليق بها، قسما من مدرسة لوقش الشهيرة، الذي أصبح مخزنا لبضائع بعض التجار بسوق “الغرسة الكبيرة”، أما إدخال تغييرات عشوائية شكلا ولونا وحجما وزخرفة على عدد من المتاجر بالمدينة العتيقة، فهذه ظاهرة يجب مراقبتها، إذا أردنا أن تبقى المدينة العتيقة مدينة عتيقة.

وهناك تشويه باطني يخص المنازل الخاصة بالمدينة، وهذه ظاهرة يمكن استنتاج أضرارها من الحمولات الرملية التي تنقل من المدينة العتيقة يوميا، نتيجة التغيرات التي تعرفها هذه المعالم. ففي غياب تشريع مناسب وسلطة راغبة في مراقبة مثل هذه الممارسات وقادرة على تنفيذها، تعرف المدينة العتيقة تدهورا تدريجيا ومستمرا. أما النتائج الخطيرة لهذه التطورات على المستوى البيئي والاجتماعي والأمني، فلا يمكن القضاء عليها إلا بعد القضاء على أسبابها، والقضاء على هذه الأسباب يتطلب تحديدها وتوضيحها ثم مواجهتها، وكل هذا غائب الآن.

إن مشاكل المدينة العتيقة جزء من مشاكل مدينة تطوان عموما. وهذه الوضعية تحتاج إلى دراسة متخصصة شاملة تحدد خطة للتنمية السياحية تنجزها منظمة دولية متخصصة، كما تحتاج إلى إرادة سياسية وطنية على أعلى مستوى. و هذا ما نرجو أن يتحقق مستقبلا، لأن مثل هذه الدراسات قد تستغرق حسب رأي الخبراء سنتين أو ثلاث
سنوات في أحسن الحالات. أما مشروع تنفيذ الحلول، فتلك مسألة أخرى لها ما لها من الشروط. لذلك يجب التركيز على حصر نزيف تشويه العمران بالمدينة العتيقة، والتفكير في وضع مخطط مستقبلي لتوجيهه توجيها سليما.

لقد ساهمت أمام هذا التحدي مجموعة من المثقفين والفنانين التطوانيين في وضع تصور أولي لهذا المشروع العظيم، الذي يحتاج إلى الدعم على أعلى مستوى، ويمكن لهذا المشروع أن يتحقق في إطار بناية ضخمة تضم مراكز للبحث حول الثقافة المتوسطية، وقاعة كبرى للمحاضرات، وقاعة للعروض الفنية إلخ … كما يمكن تأسيسه داخل المدينة العتيقة في مجموعة من المنازل الخاصة الكبرى كدار الحاج ودار الرزيني ودار بريشة ودار ابن عبود إلخ… وإن كان هذا المشروع حلما، فإن تحقيقه سوف يعطي لتطوان دورا ثقافيا رائدا بصفتها عاصمة ثقافية لشمال المغرب، ولها كل المؤهلات لينشر إشعاعها الثقافي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

منشورات جمعية تطاون- أسمير

“تطوان و سياسة التنمية الاقتصادية و تدبير التراث الثقافي”

الدكتور امحمد بن عبود

بريس تطوان

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.