معالم بليونش.. المرسى - بريس تطوان - أخبار تطوان

معالم بليونش.. المرسى

عرفت بليونش بمرساها منذ القديم، وكان هذا المرسى يقع ضمن سلسلة من المراسي الممتدة في شمال المغرب على البحر الأبيض المتوسط، وصل عددها إلى ستة وعشرين مرسى بين صغير وكبير اختفى معظمها أو لحقه الخراب. وهذه المراسي دالة على ما كانت عليه حركة الملاحة المغربية حول الساحلين الأطلسي المتوسطي منذ القديم. إلا أن مرسى بليونش كان يتميز بكونه من أهم المرافئ بالمنطقة لوجوده في مأمن من الريح طول السنة. وهو مرسى لطيف معد لاستقبال السفن الصغيرة، كالغراب والزورق والطرادة والأجفان ونحو ذلك. وشهد على امتداد فتراته دخول وخروج قوارب المسافرين القادمين من المغرب إلى شبه الجزيرة الإيبيرية أو العكس.

وموضعه في الساحل الرملي تحت برج السوحلة، ويتزل إليه من خلال درج يبدأ من جانب برج السويحلة ويمر بالمنية المرينية إلى أن يصل إليه. ومن هذا الدرج كان يصعد إلى القرية ولا تزال بقايا من هذا الدرج على وضعها الأول. وكان هذا المرسى معروفا ومستعملا في القرن الرابع الهجري على الأقل أيام النفوذ الأموي على شمال المغرب، كما تدل على ذلك إفادة محمد بن يوسف الوراق الذي زار المنطقة في تلك الفترة. وقد أدخلت عليه تحسينات وإصلاحات في فترات متلاحقة، وخصوصا في زمن الموحدين والمرينيين.

ومن هذا المرسى كانت تتم عملية تصدير الفواكه البليونشية إلى الآفاق، ولعل بعض البنايات الموجودة في الساحل قرب المرسى كانت معدة لهذا الغرض. قال الأنصاري: «والقرية في كثرة الفواكه الصيفية والخريفية واختلاف أصنافها وتعدد أرهاطها وأنواعها بحيث توسق منها الأجفان وتسافر إلى المغرب وبلاد الأندلس». وهو ما يفيد النشاط الكثيف لهذا المرسى في تصدير الفواكه طيلة السنة نحو باقي بلاد المغرب والأندلس إلى نهاية الوجود الإسلامي بمدينة سبتة السليبة.

واستعمل هذا المرسى لغرض صيد الحوت والمرجان، كما كان أيضا يستعمل طريقا بحريا رابطا بين بليونش وسبتة، ومن أخبار أبي الحسين بن الصائغ الولي المشهور بسبتة، أنه قصده الناس ليشفع في شأن الأسرى من أهل منورقة عند أبي العلاء الموحدي، وكان أبو العلاء ببليونش في إحدى البساتين ها، فخرج الشيخ إلى البحر في أوحش هيئة وأخرج إليه زورق من البحر ومشى به في البر إلى قربه، ورفع الفقيه على الأكف وأنزل فيه، ثم أدخل البحر وقصد إلى بليونش وبها كان أمير سبتة حينئذ، وانصرف من عنده في أقرب وقت بصلة لهم من عند الأمير. وكان ذلك سنة 599هـ/1202م.

ومن هذا المرسى دخل سلطان الأندلس أبو عبد الله ابن الأحمر في ذي القعدة سنة هـ1292/692م، عندما وفد علي سلطان المغرب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني، وذلك للاعتذار عما سلف منه نقضه لعهد كان بينه وبين يوسف. فأجاز البحر واحتل بليونش من ساحة سبتة، ثم ارتحل إلى طنجة وبما كان اللقاء بينهما.

ومن هذا المرسى دخل مصحف عثمان الكبير سنة هـ1292/692م، قدم به ابن الأحمر المذكور بين يدي نجواه هدية سنية ليتحف بها السلطان، وزعم المؤرخون أنه أحد مصاحف عثمان بن عفان الأربعة المنبعثة إلى الآفاق المختص هذا منها بالمغرب كما نقله السلف، وكان بنو أمية يتوارثونه بقرطبة.

ومن هذا المرسى أيضا عبر السلطان أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الأحمر من المغرب حين رجوعه إلى بلده مع قاضي حضرته غرناطة أبي الحسن علي بن الحسن المعروف الخطيب، وصنع له أبو العباس ضيافة ملوكية بالمنية. ومن بالنباهي ووزيره أبي عبد هناك ركب البحر ليلا وذلك في جمادى الآخر من عام 1361/0763م. وفي عهد السلطان أبي الحسن في سنة 742ه/1342م، كانت بليونش مسرحا لمعركة بحرية. بين السلطان أبي الحسن يؤازره ابن الأحمر ملك غرناطة وبين ألفونسو الحادي عشر.

وكان لهذا المرسى مجموعة من المرافق تعرضت للتخريب والهدم والإهمال، ولم يبق منها سوى أطلال تعاني في صمت. منها برج حراسة كان مشرفا على المرسى تهدم و لم تبق منه سوى قاعدته.

وقريب من هذا البرج من الجهة الغربية أثر بنايات في الخندق الكبير، بعضها من مرافق المنية المرينية وبعضها من مرافق المرسى أيضا. ومن مرافقه أيضا بقايا بناء عند الشاطئ. وغرفة واسعة قرب العين الحمراء ذهب سقفها وبقيت جدرانها. ويراجع ملحق الصور ففيه ما بقي من آثار ذلك.

وكان في بليونش أيضا مرسى آخر وصفه الوراق بأنه مرسى لطيف يعرف بمرسى دنيل. والظاهر أن موقعه كان في ساحل الزيتون، و لم يبق له أثر الآن.

الكتاب: سبتة وبليونش “دراسة في التاريخ والحضارة”

للمؤلف: د. عدنان أجانة

منشورات تطاون أسمير/ الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية

(بريس تطوان)

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.