بريس تطوان/سعيد مهيني
في قلب العاصمة الإيفوارية أبيدجان، وقبل عبور جسر بوليفارد ديغول، يبرز مسجد محمد السادس بمئذنته التي يبلغ ارتفاعها 70 مترًا، كمعلم ديني يعكس الحضور المغربي المتزايد في إفريقيا.
افتتح هذا المسجد، الأكبر في ساحل العاج، في أبريل 2024، بعد ثلاث سنوات من البناء، بتمويل وإشراف مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. يمتد على مساحة 25 ألف متر مربع، ويتسع لحوالي 7 آلاف مصلٍّ، ويضم مكتبة، وقاعة مؤتمرات، ومبنى إداري، ليكون مركزًا دينيًا وتعليميًا متكاملاً.
الدبلوماسية الدينية المغربية في إفريقيا
يعدّ بناء المساجد، مثل مسجد محمد السادس في أبيدجان، جزءًا من استراتيجية دبلوماسية دينية بدأ المغرب بتعزيزها منذ هجمات الدار البيضاء عام 2003.
أدركت الرباط حينها أهمية “الأمن الروحي” في مواجهة التطرف، فعملت على إعادة هيكلة الحقل الديني من خلال مؤسسات مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي تعمل اليوم في 48 دولة إفريقية لتوحيد جهود العلماء وترسيخ قيم الإسلام الوسطي.
لكن الدوافع الدينية ليست وحدها المحرك لهذه السياسة، إذ تحمل أبعادًا جيوسياسية واضحة. فالمغرب يسعى لتحصين مصالحه الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء، عبر تعزيز حضوره الديني في دول إفريقية تدعم أو قد تدعم مواقفه داخل الاتحاد الإفريقي. كما يرى محللون أن هذا التوجه يهدف إلى تثبيت موقع المغرب كبوابة لإفريقيا، مما يعزز نفوذه الاقتصادي والدبلوماسي.
دور الملك محمد السادس في ترسيخ النفوذ الديني
منذ 2014، كثّف الملك محمد السادس زياراته إلى دول إفريقية، حيث شارك في 13 صلاة جمعة خارج المغرب بين عامي 2014 و2016، وزار 29 دولة إفريقية 50 مرة في عام 2017 وحده.
لم تكن هذه الزيارات مجرد جولات دبلوماسية، بل حملت بُعدًا دينيًا واضحًا، حيث أشرف الملك على افتتاح مساجد، وتوزيع آلاف المصاحف المطبوعة في المغرب، والتقى بزعماء دينيين وأتباع الطرق الصوفية، مثل التيجانية والقادرية والمريدية، لتعزيز الروابط الدينية.
هذا الحضور لا يقتصر على اللقاءات، بل يمتد إلى مشاريع معمارية ودينية تحمل اسم الملك نفسه، مثل مسجد محمد السادس في دار السلام بتنزانيا والمسجد الكبير في كوناكري، غينيا، على غرار ما فعله والده الملك الحسن الثاني عند تشييد المسجد الكبير في داكار، السنغال عام 1964.
إسلام الوسطية كرافعة دبلوماسية
تروج الرباط لمفهوم “إسلام الوسطية” المستند إلى المذهب المالكي والتصوف، باعتباره نموذجًا إسلاميًا متسامحًا في مواجهة تيارات التشدد.
ويرى العديد من العلماء أن هذا النموذج يساعد المغرب في تعزيز شرعيته الدينية داخل القارة، ويمنحه موقعًا استراتيجيًا يجعله لاعبًا رئيسيًا في صياغة السياسات الدينية في إفريقيا، في مواجهة قوى أخرى مثل الجزائر وحتى بعض الدول الأوروبية.
ختامًا
لم يعد النفوذ المغربي في إفريقيا يقتصر على الاقتصاد أو السياسة، بل أصبح الدين ركيزة أساسية في تعزيز حضوره.
ومن خلال بناء المساجد، وتكوين الأئمة، وترسيخ الإسلام الوسطي، يسعى المغرب إلى تحقيق أهدافه الدبلوماسية والجيوسياسية، مؤكدًا أنه ليس مجرد شريك اقتصادي للقارة، بل قوة دينية وثقافية مؤثرة في تشكيل هويتها الإسلامية.