محمد بن أبي بكر بن محمد الشاوي السلوي الفقيه التطواني، ولد بمدينة سلا في متم رمضان عام 1318هـ/ 1901م، في أسرة علمية عريقة أصلها من عرب الشاوية، انتقلوا إلى سلا بعد أن كان استقرارهم بمدينة تطوان، ولذلك عرفت أسرتهم بالتطوانيين.
نشأ في هذه الأسرة فأخذه والده معه إلى طنجة لما عين بها كاتباً بدار النيابة، حيث أدخله كتّاب محمد التوزاني لحفظ القرآن، ولم يتجاوز حينها السنة الرابعة من عمره، ثم استكمل بعد ذلك حفظ كتاب الله وتجويده بمسقط رأسه على يد خيرة فقهاء وأساتذة بلده أمثال محمد بوعلو، ومحمد بنسعيد، ومحمد بريطل، ودرس العلوم اللغوية والشرعية على يد والده، وأحمد بن الفقيه الجراري، وفي أوائل عام (1337هـ) رحل إلى فاس قصد إتمام دراسته، إلاَّ أن وفاة والده عجلت برجوعه، ولم تسمح له حالته المادية بعد ذلك لإتمام دراسته مما اضطره للاشتغال بالكتابة في إحدى الإدارات، واستطاع توفير بعض المال من أجرته البسيطة التي كان يتقاضاها، وعندها رجع إلى مدينة فاس لإتمام دراسته، وبقي هناك عشر سنين لازم فيها الشيخ عبد الحي الكتاني، فكان ينسخ له مؤلفاته ومخطوطاته، مما مكنه من الاستفادة من علوم شيخه، واطلاعه الواسع على العلوم الإسلامية والحديثية، كما حضر مجالس كبار العلماء المسلمين والمستشرقين الذين يتوافدون على الشيخ الكتاني باستمرار، وهكذا تمكن الشيخ التطواني خلال مقامه بفاس من تحصيل كل العلوم التي كانت تدرس بالقرويين النقلية منها والعقلية، على يد علماء أجلاء بلغ عددهم الثمانين، أجازه منهم نحو ثلاثين، ومن أبرز شيوخه في هذه المرحلة: أحمد بن الخياط، ومحمد بن رشيد العراقي، وأحمد بن المامون البلغيثي، والشريف التكَناوتي، ومحمد بن جعفر الكتاني، كما كانت رحلاته إلى الجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا ولبنان والحجاز فرصة للقاء بأعلام المشرق والمغرب ولقي هناك نحو تسعين عالماً.
كان الشيخ رحمه الله علاَّمة فهَّامة من المتضلعين في العلم، ومرجعاً حياً للباحثين والطلبة، يزودهم بما تختزنه ذاكرته من معارف ومظان، وكان من المشتغلين بالبحث في المخطوطات، ولم يكن رحمه الله يتشوف للوظائف العالية التي عرضت عليه ولم يقبلها، وعرف عنه أنه اشتغل بعد رجوعه من فاس ببيع الكتب، وكانت له مكتبة بالرباط، وأخرى بالشراكة مع محمد بن عبد الله الغربي، كما ولي خطابة المسجد الأعظم بسلا بعد طول امتناع، ثم تخلى عنها لغيره، وشارك رحمه الله في الحركة الوطنية، واعتقل من طرف المستعمر، وأوذي فصبر واحتسب.
نال المترجم من الحظ والشهرة بين أهل عصره ما لا يلحق به غيره، وتجلى ذلك في ثناء العلماء عليه، قال عنه العلامة إدريس بن الماحي القيطوني: «صديقنا الفقيه العلامة المشارك المطلع المؤرخ النقادة الأديب الكاتب البارع الديّن الخَيِّر الصالح، من أهل العلم والدين المتين والصلاح…».
اهتم الفقيه التطواني بمجال التأليف وهو ما يزال طالباً بفاس، وكان من نتاجه العلمي تآليف تدل على طول باعه وسعة علمه، منها كتب صغيرة في كراريس، نذكر منها: ذيل فهرس الفهارس لمحمد عبد الحي الكتاني، محاضرات أدبية وتاريخية، رسالة عن القاضي عياض، رسالة عن الشيخ المكي البطاوري، وله كناشات علمية مخطوطة بالخزانة الصبيحية، منها كناشة تحمل رقم 454 تحتوي على مجموعة من التراجم لمشارقة وأندلسيين، وكناشة تحمل رقم 455 تحتوي على تراجم أعلام ما قبل القرن السابع من علماء المغرب، وكناشة أخرى تحمل رقم 458 فيها مختارات من تاريخ بغداد، ونوازل العلمي، ونشر المثاني، وسلوة الأنفاس…
ومن آثاره المنشورة: ابن الخطيب من خلال كتبه في جزئين صغيرين، وجلالة العرش المحمدي في ظل راية القرآن، وله مقالات منشورة في مجلات مغربية وجزائرية وتونسية.
توفي الشيخ التطواني رحمه الله بمسقط رأسه سلا في العاشر من محرم عام 1410هـ، ويوجد قبره بجوار الشيخ أحمد بن عاشر الذي كان مواظباً على زيارته في حياته.
مصادر ترجمته:
معجم المطبوعات المغربية للقيطوني (57-58)، إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين (164-166)، معلمة المغرب (7/2407-2408).
صورة الموضوع لابي بكر القادري و ليست الفقيه التطواني