وصلت موجة التمييع داخل المجالس الجماعية، حد تكليف الأعضاء من ذوي السوابق القضائية بتمثيل الجماعات الترابية فى لقاءات دولية ووطنية، وتأطير المحاضرات التي تتحدث عن فيروس الفساد وكيفية محاربته ومناقشة الحضور حول السبل الكفيلة بتطوير الخدمات العمومية وتجويدها بل واستنكار جرائم ارتكبها الأعضاء أنفسهم من مثل الاتجار في المخدرات والنصب والاحتيال في التوظيف بالقطاع العام والتزوير في محررات رسمية واختلاس الملايير من وكالة بنكية كما حدث بتطوان.
ورغم الانتقادات والتقارير الصحفية التي تحدثت عن عودة رؤساء جماعات ترابية، وأعضاء بالمجالس الجماعية إلى مزاولة مهامهم مباشرة بعد خروجهم من السجن بسبب تورطهم في جرائم خطيرة، إلا أن السلطات الوصية ما زالت تقف موقف المتفرج دون تدخل بل وتتغاضى أحيانا عن تكليف الأعضاء من أصحاب السوابق القضائية بمهام رسمية بدعم من رؤساء الجماعات الترابية، واستفادتهم من سيارات الدولة ودعم جهات لعودتهم إلى الأضواء والقفز على الجرائم التي ارتكبوها، وتتطلب الابتعاد عن تدبير ملفات الشأن العام.
وتطرح بعض الأغلبيات بالمجالس الجماعية مبررات واهية أمام من ينتقد عودة الأعضاء من ذوي السوابق القضائية إلى ممارسة مهامهم الانتدابية كون الأمر يتعلق بأحكام غير نهائية، والحال أن من تتم إدانته من قبل القضاء، حتى ولو كانت العقوبة الحبسية غير نافذة، فإن الأحوط إبعاده عن تدبير الشأن العام وصرف المال العام بشكل نهائي، حفاظا على ما تبقى من مصداقية العمل السياسي، ووقف موجة تمييع كل شيء رسمي التي ترسم مستقبلا قائما للثقة بين المواطن ومؤسساته.
ومن أخطر ما يمكن أن يهدم العمل المؤسساتي ويكرس لا جدوى دعوات تخليق الحياة العامة هو التطبيع مع مظاهر الفساد بالمجالس الجماعية وتبرير الجرائم التي ترتكب من قبل الأعضاء والدفاع عنهم بمبررات واهية ما يتعارض والتعليمات الملكية السامية التي تهدف إلى تشجيع الشباب على الانخراط في العمل الحزبي، وتحمل مسؤولية
التسيير والمساهمة في تجويد الخدمات العمومية.
وإذا كانت السلطات تشتكي الفراغ القانوني في منع الأعضاء من ذوي السوابق من العودة إلى ممارسة مهامهم بالمجالس الجماعية، فإن الأمر يستدعي تشريعات قانونية تمنع فساد التزكيات وتقطع مع جدل عودة مستشارين إلى مهامهم بعد قضاء العقوبة الحبسية، وكأنهم كانوا في عطلة استجمام.
إن مؤشرات تمييع العمل السياسي والتطبيع مع الفساد وتبرير فضائح مجالس السوابق، والتغاضي عن عودة أعضاء إلى مهامهم، بعد إدانتهم في قضايا المخدرات والتزوير والنصب والاحتيال وغير ذلك من الجرائم الخطيرة، تتطلب وقفة حقيقية من قبل المسؤولين لإعادة الأمور إلى نصابها، لأن المواطن المتتبع لا يستوعب رفع شعارات محاربة الفساد
والجريمة والدفاع عن المتورطين في هذه الجرائم في الوقت نفسه، وإذا ما اختلطت الأمور أكثر فعلى ما تبقى من الجدية في العمل السياسي السلام وذاك ما لن يقبل به كل غيور على المصالح العليا للوطن.
الأخبار