لماذا "طوفان الأقصى"؟ (الحلقة2) - بريس تطوان - أخبار تطوان

لماذا “طوفان الأقصى”؟ (الحلقة2)

خلافات استراتجية

1.ظلت غزة طيلة هاته السنوات من حكم حماس للقطاع تعيش ظروفا اقتصادية صعبة للغاية نتيجة تضافر مجموعة من العوامل أبرزها الحصار الشامل الذي فرضته إسرائيل على القطاع، وتوقف المساعدات الأمريكية لبرامج وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي كانت تتراوح بين 50 و60 مليون دولار سنويّاً، إضافة إلى خصم السلطة الفلسطينية منذ أبريل 2017 ل 50% من رواتب موظفي غزة، مما جعل القطاع يخسر سيولة نقدية تقدر بزهاء 20 مليون شهريّاً. مقابل ذلك، ظل سكان القطاع يعتمدون أساسا لتوفير معيشتهم على المساعدات الإنسانية وعلى 30 مليون دولار شهريا الممنوحة من قطر لأداء أجور الموظفين، علاوة على المداخيل المحدودة التي يوفرها 17 ألف عامل فلسطيني بالقطاع الذين يتوفرون على تصاريح للعمل داخل إسرائيل.

انعكس الانقسام الفلسطيني ما بين فتح وحماس منذ سيطرة الأخيرة على قطاع غزة في يونيو 2007 وفشل كل المحاولات والوساطات لتذويب الخلاف بينهما (اتفاق القاهرة 2006، ووثيقة الأسرى الفلسطينيين للوفاق الوطني 2006، واتفاق مكة 2007، والورقة المصرية 2009، واتفاق القاهرة 2011، واتفاق الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014، واتفاق القاهرة 2017) سلبا على المشروع الوطني الفلسطيني، فأصبح الفلسطينيون غير متفقين لا على خط المفاوضات ولا على نهج المقاومة المسلحة، أو على خط ثالث قد يجمع بينهما.

أدى هذا الواقع إلى تبادل الاتهامات بين الطرفين، وحملات المطاردة الأمنية والاعتقالات والإقصاء التي قامت بها السلطة بقيادة فتح خلال الفترة من 1994-2000، كرد على العمليات المسلحة التي كانت تقوم بها حماس وفصائل أخرى ضد إسرائيل، (كانت ترى فيها فتح تعطيلاً لمسار التسوية المؤدي إلى تحقيق دولة فلسطينية مستقلة)؛ مرورا بتعطيل ونزع الصلاحيات من المجلس التشريعي الذي فازت فيه حماس بأغلبية ساحقة خلال شهر يناير 2006 (76 مقعد لحماس مقابل 43 مقعد لفتح)، وانتهاء بالمواجهات العسكرية ما بين الفصيلين شهورا متواصلة، وتصفية وجود فتح في القطاع بالحديد والنار وانفراد حماس بالسلطة في القطاع سنة  2007.

2-يستمد الخلاف ما بين فتح وحماس جذوره إلى ما قبل اتفاقيات أوسلو (13 سبتمبر 1993) إذ سبق ذلك معارضة حماس وثيقة إعلان الاستقلال من طرف منظمة التحرير الفلسطينية في الدورة 19 لمجلسها الوطني المنعقد في الجزائر في 15 نوفمبر 1988 معتبرة إياه “طعنة قوية لإنجازات الانتفاضة”.

كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعمل جاهدة لتساير التغيرات الدولية والبحث عن حل مرحلي، بعد أن كان الموقف الأصلي يتمثل في إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة على كامل تراب فلسطين يتعايش فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون. استندت منظمة التحرير في موقفها ذاك على القرار الأممي رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947 الذي ينص على قيام دولتين في فلسطين واحدة عربية والثانية يهودية، كما رافق إعلان الاستقلال برنامج سياسي جديد يعترف بقراري مجلس الأمن 242 و338، مع اشتراط التوافق مع الحقوق الفلسطينية، والتفاوض من أجل حل قائم على قراري مجلس الأمن المذكورين اللذين ينصان على حدود عام 1967.

استندت حماس في رفضها لتلك الرؤية على برنامجها السياسي الذي وضعته سنة 1988 والذي نصت المادة الثانية من وثيقته التأسيسية على كون “حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين”، وبأن جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ديني باعتبار أن فلسطين ” أرض وقف إسلامي لا يجوز التفريط فيه وبكون الصراع الحالي مجرد امتداد للحملات الصليبية ضد المسلمين”. كما ورد في المادة الخامسة عشرة من الميثاق “الصراع هو بين المسلمين واليهود الذي يتطلب رفع راية الجهاد في سبيل الله”.

انطلاقا من ذلك تضمنت استراتيجيتها المتضمنة في المادة 13 من ميثاقها التأسيسي رفض أية تسوية أو اعتراف بإسرائيل مؤكدة أنه:” تتعارض المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية، فالتفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدين، فوطنية حركة المقاومة الإسلامية جزء من دينها، على ذلك تربى أفرادها، ولرفع راية الله فوق وطنهم يجاهدون”.

تجدر الإشارة إلى أن حماس فتحت الباب للتفاوض السياسي في وثيقتها السياسية الأخيرة الصادرة سنة 2017 حيث اعتبرت “إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم لكن دون الاعتراف بإسرائيل، حلا مقبولا وتوافقيا”.  ويبقى السؤال كيف يمكن لحماس الوصول إلى تحقيق هذا الهدف دون الإقرار بقرارات الأمم المتحدة وفي ظل دعم أمريكي وغربي لا مشروط ولا محدود لإسرائيل؟ وهل يمثل ذلك القبول بحدود ما قبل الخامس من يونيو 1967 بداية التراجع عن موقفها الأصلي المنادي بفلسطين من البحر إلى النهر امتثالا وتكيفا مع الوقائع الجيو-سياسية كما كان الشأن بالنسبة لحركة فتح التي رفعت في بداية مسيرتها شعار الدولة الديمقراطية الواحدة التي تضم المسلمين واليهود والمسيحيين حيث لا مكان لخطابات من قبيل “إلقاء اليهود في البحر” أو “رمي العرب في الصحراء”.

أما النقطة الأخرى المثيرة للجدل فكانت تتعلق بالموقف من تمثيلية منظمة التحرير الفلسطينية: هل هي الممثل الشرعي والوحيد والإطار الوطني الذي يضم مختلف المنظمات والتعبيرات السياسية للشعب الفلسطيني؟ الجواب الذي قدمته حماس في المادة 27 من ميثاقها التأسيسي ينفي عنها صفة تمثيل الشعب الفلسطيني ويقتصر على صيغة ديبلوماسية:” منظمة التحرير الفلسطينية من أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية، ففيها الأب أو الأخ أو القريب أو الصديق، وهل يجفو المسلم أباه أو أخاه أو قريبه أو صديقه. فوطننا واحد، ومصابنا واحد، وعدونا مشترك.”

 

يُتبع…..


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.