قوة الآن في رحاب الحج - بريس تطوان - أخبار تطوان

قوة الآن في رحاب الحج

ليس الحج مجرد شعائر تؤدى، بل هو رحلة استثنائية إلى أعماق الذات وإلى القرب من الله، تفتح فيها أبواب الزمن ليعيش الحاج أعظم نعمة: لحظة “الآن”.

أجمل ما في الحج هو أن يتعلّم الحاج فن الاستغراق في اللحظة الحاضرة؛ فلا يشغله ماضٍ انقضى ولا مستقبل لم يأت بعد، وإنما يغوص في الحاضر، حيث تتجلى أنوار الرحمة والسكينة في أسمى صورها.

الآن.. حيث كل شيء مختلف

الآن، في هذه اللحظة المباركة، الصلاة تُكتب بمئة ألف صلاة، والنظر إلى الكعبة عبادة وقربى، والقلوب تتوحد في مكان واحد، بقلب واحد ونيّة واحدة. الآن هو حين اختارك الله تعالى من بين ملايين البشر لتكون ضيفًا في بيته الحرام، محاطًا بشعوب وقبائل اجتمعت في رحاب بيت الله إخوةً متحابين.

الآن حيث عرفة وتنزل الرحمن، حيث تستشعر قرب الله وفضله، وتدرك أن الله أقرب إليك من حبل الوريد، فتذوق نعمة الوقوف بين يديه متضرعًا، خاشعًا.

الآن حيث مزدلفة والمشعر الحرام، حيث تسكن الأرواح وتعلو القلوب بالذكر.

الآن حيث رمي الجمرات، حيث ترمي عنك كل هوى وشهوة، وتعلن ولاءك لله وحده.

أسرار عيش اللحظة في الحج

1. القرآن الكريم: عِش الخطاب مباشرة

لا تقرأ القرآن قراءة سريعة عابرة، بل عش آياته كأنها نزلت عليك أنت في هذه اللحظة. تمعّن في الخطاب، واستشعر الرسالة الموجهة لك شخصيًا، ودع قلبك يتفاعل معها بكل جوارحه.

2. الذكر والدعاء من القلب

اجعل ذكرك ودعاءك ينبعان من قلبك؛ فليس المهم كثرة الكلمات، بل صدق المشاعر. فكما علّم النبي ﷺ رجلاً لم يكن يحسن الدعاء فقال له: “حولها نُدندن”، فالجوهر هو حضور القلب وصدق الدعاء.

3. وعي العبادة: مدرسة الحج العميقة

كل شعيرة في الحج تحمل في طياتها دروسًا عميقة. فالطواف يدربك على دوام التوجه نحو الله، وعرفة تعلّمك أن تستغرق يومًا كاملاً في الدعاء البسيط النابع من القلب، وليلة القدر دعاؤها مختصر لكنه عظيم. العبادة الحقيقية هي تلك التي تعيشها بوعي تام وإدراك عميق.

4. الحضور مع الناس: تجلّيات الأخوة في الحج

في الحج، أخوّتك ليست مجرد شعور عابر؛ بل ممارسة حيّة. ابتسم في وجه أخيك، ساعد المتعبين، شاركهم النوايا والدعوات، فالحج رحلة اجتماعية وروحية معًا، يجتمع فيها حب الله وحب عباده.

فرحة اللحظة مع الله

يقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ (يونس: 58).

هذه هي الفرحة الحقيقية: أن تعيش الآن، لحظتك الحالية مع الله، حيث كل شيء يكتسب معنى وعمقًا وروحانية خاصة.

من قلب المشاعر المقدسة، اغتنم هذه اللحظات المباركة ولا تضيّع فرصة أن تكون حاضرًا بكامل روحك وقلبك ووعيك، لتحج بصدق، وتعود من حجك وأنت تحمل في داخلك روحًا جديدة.

✒️ المهندس طارق المفتوحي
🕋 من البيت الحرام


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.