قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجـنبي (4) - بريس تطوان - أخبار تطوان

قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجـنبي (4)

حاول المقيم العام الإسباني “الفاو” تهديد القبائل الغمارية وثنيها عن حركة الجهاد، وبعث لها برسائل كلها وعد ووعيد وإنذار وتهديد. وقد بعث بنسخ منها إلى ثلاثين قبيلة من قبائل المنطقة الشمالية، منها قبائل غمارة التالية: بني زيات بوزرة وبني منصور وبني سلمان وبني منصورة وبني سلمان وبني خالد وبني جرير وبني رزين وبني سميح ومتيوة.

وهذا نص إحدى نسخ الرسالة المقيمية :

“من سعادة المقيم العام بالمنطقة الإصبنيولية المغربية السنيور دون فليب ألفاو إلى كافة قبيلة بني زيات بأسرها لا زال السؤال عنكم محبة أن يوفقكم الله تعالى لما فيه خير البلاد والعباد وبعد لا يخفى عن جانبكم أن دولتنا الإصبنيولية المعظمة كلفتنا بشد عضد جناب الخليفة المعظم الشريف الأفضل الأفخم مولاي المهدي بن مولاي إسماعيل بن محمد أدام الله وجوده ووفر جنوده بإجراء عوامل الإصلاح وتمهيد طرق الأمن وارتكاب كل ما يمكن لترقية هذه النواحي وإلحاقها بالأقطار المتمدنة الراقية بالعلوم والمعارف فامتثلنا أوامرها وجئنا على نية السعي وراء ما أمرنا به من الحرص التام على السلامة وعدم إحداث مناوشة بارود وشبهه مما يقلق الراحة العامة علما منا أننا لم نجد من يقف في وجوهنا معاكسا لأغراضنا المبينة على حسن المؤاخاة وحفظ الوداد فإذا بكم قابلتمونا بما أوجب علينا تأديبكم وإجراء العقاب عليكم وفل جموعكم تربية لكم وزجرا لأمثالكم أما نحن فقد خالطنا جوار حصني مليلية وسبتة وأقمنا بين أظهرهم مدة مديدة وأعواما عديدة فعاملناهم معاملة الرفق واللين والبشاشة واللطف والإيناس وما رأوا منا إلا الجميل لكوننا ما تعرضنا لديانتهم ولا لتغيير عوائدهم ولا لشيء يمس بأعراضهم وحيث كنتم أنتم البادئون بالضرب والسلب والقتل والنهب تعين علينا أن نذيقكم وبال أمركم ونقاومكم بجنودنا المظفرة وما لها من العدد والعدد فإذا أنتم خضعتم وأذعنتم للطاعة وطلبتم الأمان لأنفسكم وأولادكم وأموالكم فاسعوا فيه تساعدون عليه ونحن مستعدون للأخذ بأيديكم ودفع الأضرار عنكم مع جانب المخزن الشريف أعزه الله حتى تقابلوا بكل حفاوة ومبرة وتعاملوا بكل جميل ومسرة وإن أنتم تماديتم على ما أنتم عليه من التروغ والعصيان والعتو والطغيان فعاقبتكم لا تحمد والنكنال نبكم لا يجهل ولا يجحد ولا نكف عنكم حتى نخرج عن آخركم لتعلموا ما سولت لكم أنفسكم من التهاون بنا والتعرض لعساكرنا التي استقللتموها واستضعفتموها هو خلاف ما أنتم له معتقدون بل لنا جنود كافية وقوة متكاثرة وافية وعساكر مجندة متوالية وسترون منها ما يدهشكم ومن بأسها ما يحزنكم ويريشكم وتتحققوا أن كل ما يلحق عامتكم من أنواع الوبال وأصناف النكال كله مكتوب في صحائفكم لأنكم أنتم الساعون فيه والطالبون له مع علمكم أن الظلم والجور في سائر الأديان عاقبتهما وخيمة والتعدي والعصيان طريقتهما غير مرضية ولا مستقيمة وفي الختام نتمنى لكم دوام الهناء والسرور والنجاح والأمن التام والطمأنينة والفلاح. وحرر بتطوان في 15 يونيه سنة 1913 (10 رجب عام 1331هـ).

وفي نفس تاريخ هذه الرسالة، كتب باسم الخليفة السلطاني مولاي المهدي رسالة بعثت نسخ منها إلى مدينة شفشاون وإلى تسع قبائل جلها من غمارة، وهي قبائل بني زيات وبني بوزرة وبني سلمان وبني خالد وبني رزين وبني سميح وبني جرير ومتيوة بني زكار. وهذه الرسالة تدعو أهالي تلك القبائل إلى التقدم إلى الحكومة بالطاعة والولاء وتنبههم لما حل في زعمها بالمخالفين من الوبال والنكال، وهذا نص إحدى نسخها :

“… خدام المقام العالي بالله كافة أهل قبيلة بني خالد خصوصا الشرفاء والعلماء والأعيان وفقكم الله وسلام عليكم ورحمة الله وبعد فإن الله جلب قدرته وعظم سلطانه وأعجزت شكر الشاكرين مواهبه المتوالية وامتنانه قد ولانا من أموركم منه منه القيام بأعبائها وطوقنا سيدنا أيده الله من شؤونكم رعاية مصالحها وقصر نظره السديد في توليتنا عليها وكلفنا بتفقد الشاهد والغائب من أنبائها فوجب علينا حينئذن المسارعة إلى لم شعتها وائتلاف أشلائها واستعمال الرفق وعواطف الشفقة عليها والذب عن حياض مواردها واتقاء كل ما يؤذيها وجلب كل ما يرضيها وقابلنا منهن سبحانه ذلك من حمده بما نرجوه أن يزلف إلى مقامات السعادة ومن شكره بما يتكفل بنيل الحسنى والزيادة ثم لما كنتم مخاطبين إزاء هذا التأهيل بواجب الطاعة والمبادرة للاقتداء بمن تقدمكم من الجماعة كان من المتعين تذكير عالمكم بوجوب المسارعة إليها ودلالة جاهلكم بحثه عليها قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فقد قرن سبحانه بطاعته وطاعة رسوله طاعة الأمير وسوى في الأخذ بهذا الواجب بين المشروف والشريف والصغير والكبير وقال عليه الصلاة والسلام من مات ولم تكن في عنقه بيعة الإمام مات ميتة جاهلية. وقال عليه الصلاة والسلام من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

وعليه فنأمركم بأن تكونوا بحيازة قصب السبق إلى أعتابنا الشريفة من الفائزين ولثقتنا بصدق خدمتكم وقيامكم بما يجب عليكم من الحائزين وبادروا لاقتناء هذا الفضل مبادرة قوم أخذوا بالحزم فأجلهم ولا تتأخروا تأخر قوم غووا ويريد الشيطان أن يضلهم وليترأس وفدكم من تعرفون أمانته وترضون ديانته لنوليه عليكم ونسند إليه أمركم ونسأل الله لكم الهداية والتوفيق والإلهام لأقوم طريق ولا تكونوا ممن تظاهروا بالفساد والعدوان وصمموا على ما يعود عليهم بالخيبة والخسران ونهجوا نهج المتوحشين وتظاهروا مظاهرة المفسدين وسلكوا سبيل الغى والردى حتى غدا كل فريق منهم إلى ما غدا من شق عصا الطاعة والانحراف عما سلكه الموفقون من الجماعة بمد الأيدي بالقتل والنهب والفتك والسلب مما لا يعود عليهم وعلى أعقابهم إلا بالمهانة والعار وتشتيت الشمل والدمار فها أنتم ترون ما حل بهم من الوبال وما تخلل بين جوانبهم من النكال فالعاقل من اتعظ بغيره والأحمق من غیره به أما الجنود المعززة لجانبنا العالي بالله فلم ترد إلا لشد العضد في دفع ما يطراً من الحوادث مع احترام الأديان والعوائد والأخذ بالاحتياطات العائدة على الجميع بغاية الفوائد فهذه عدة مدن وقرى مدت يد الطاعة بسكينة ووقار فما رأت ما يكدر من الهوان والصغار بل قوبلت بالجميل وعوملت بما إليه كل عاقل يميل من الرفق بالضعيف وإلحاق المشروف بالشريف والمحافظة على الحقوق والمجاملة والحرية في سائر المعاملة ولا زالت ترى من جانبنا العالي بالله ما يتحقق لديها مما انطوت عليه ضمائرنا الشريفة من السعي وراء الإصلاح العام الشامل لسائر البلاد والعباد والله المسؤول أن يسلك بالجميع مسالك السداد ويوفق الكل لما يقود إلى معالم الرشاد ونستمد منه سبحانه الإعانة فيما ولانا ونستوهبه أداء الشكر فيما أولانا إنه ولي التوفيق والهادي إلى سواء الطريق والسلام في 10 رجب عام 1331هـ” (15 يونيو سنة 1913).

واستمرت هذه المحاولات الفاشلة حتى سنة 1919، حيث نجد الإسبان يسخرون حكومة المخزن الخليفي لمراسلة القبائل الغمارية لتقديم طاعتها، ومن هذه الرسائل:

“… خدام سيدنا الأرضين كافة قبيلة غمارة ونخص منهم الأشراف والعلماء والأعيان أمنكم الله وسلام عليكم ورحمة الله عن خير سيدنا أيده الله وبعد. فيأمركم سيدنا أيده الله عزه وعلاه أن تقدموا فورا صحبة الشريف سيدي محمد بن المهدي الزلايمي وافدين على أعتابه الشريفة على جناح الأمن والسلامة دون عتاب ولا ملامة لتقدموا لجلالته الطاعة وتنخرطوا في سلك الجماعة فلا ترون من سيدنا إلا خيرا ولا تخشون شرا ولا ضيرا بل كونوا على يقين أنكم تعاملون من علي جنابه أحسن معاملة وتقابلون عند مواجهة طلعته أجمل مقابلة فتفوزون حينئذ ببغيتكم وتحصلون بالانقياد لأمره الشريف على أمنيتكم ويولي عليكم من إخوانكم من يرجحه لديكم الاختيار وترشحه التجربة والاختيار وترون فيه الكفاءة والاقتدار والجنوح للثبات والاستبصار فتصير أعمالكم في انتظام وآراؤكم في التنام إذ لا خير في الافتراق ومتابعة الشقاق فقد قال تعلى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وقال صلى الله عليه وسلم من انحرف عن الجماعة قيد شبر مات ميتة جاهلية. وفيكم بحمد الله . العلماء والفقهاء وذوي الآراء الصائبة والنبهاء من يحملكم على سلوك طريق الرشد رأيه وتدبيره ويقيكم التشبت بالغواية احتجاجه وتقريره فترفع عنكم اليد الأثيمة العادية وتقصر عن تناولكم الفئة الظالمة الباغية وتصيرون في مأمن بظلال عدله الوريفة وتأمنون على نفوسكم وأهلكم بالخضوع لجلالته الشريفة والله ولي التوفيق والهادي لأقوم طريق والسلام. في 23 جمادى الثانية عام 1337هـ (موافق) 26 مارس سنة 1919).

العنوان: قبائل غمارة تاريخ وأعلام

المؤلف: بوعبيد التركي

منشورات باب الحكمة تطوان

بريس تطوان

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.