بسحره، بجماليته وبالدور العظيم الذي يلعبه في انتشالنا من قفص الهامستر وعجلته الروتينية… يأبى الحرف إلا أن يترفع عن اليراع أحيانا، ويضعه موضع مساءلة إزاء المسؤولية التي حمله إياها، ثم يتمادى في جبروته وتعجرفه أحيان أخرى ويطيل الغياب.
الحرف الذي تنطقه الروح ويكتبه العقل…،
الحرف الذي يتشكل منه عقد الكلمات الماسي، يحدث أن ينقطع فوق البياض وتتشتت حبات اللؤلؤ شتاتا يصعب جمعها ورصها من جديد… كشتات الأفكار الذي يصيب العاشق وخراب المشاعر الذي يلم بالقلب الخائف المضطرب.
بارتباك وتوتر وعقم لا ترياق له، -أو يخال أن لا ترياق له- يعيش الكاتب حالة من الفوضى، يحاول لمّ شتاته وترتيب أوراقه، يهرع إلى مكتبه ويعيد تزيينه معتقدا أن الخلل في الديكور، يغير إضاءة الغرفة… توقيت احتساء القهوة… ساعات نومه وأكله… القلم الذي يستعمله… يغلق النوافذ ثم يعيد فتحها… علّه يعثر على الشذرة التي سيتمسك بها، على الفكرة التي سيبحر عبرها، على الخيط الذهبي والذي سيخيط به ثوب النص بإبرته…
هذه اللحظات، بظلامها وسوادها، بطول زمانها وقسوته، تعصف بالكاتب في زمن لم يتوقعه، تُبعثره، تهدم مشاريعه الكبرى في الإبداع ثم تخذله وتخذل قراء حرفه الأوفياء.
وكغيري من عاشقي الحرف وممارسي الطقس الدافئ، أصابني الوباء وألمت بي العدوى لفترة واضطررت للتخلي عن الحبل المتين الذي يصلني بالعايلة مولاتي، بعدما تمسكت بقوة، وبعدما جُرح كفي ونزف… وصرت أرد على تساؤلات الأوفياء بابتسامة مبعثرة ووعود بالعودة الوشيكة، آن اليوم أوان تنفيذها.
اليوم وقد تصالح الحرف معي، بعد قطيعة لا تفسير لها سوى ضغوط الحياة وظلامية الأحداث، أدشن مرحلة جديدة مع هذا العمود الزهري، تماما كالتغيير الذي طبع العلاقة الديبلوماسية الاسبانية-المغربية بعد أزمة، وكالتعاون والاستقرار الذي يعد به التغيير بين البلدين، أعد “العايلة مولاتي” بمواصلة ضخ الدماء عبر شرايين الحروف.