عادات أهل تطوان في الزواج… أيام العرس (6) - بريس تطوان - أخبار تطوان

عادات أهل تطوان في الزواج… أيام العرس (6)

بريس تطوان

ونسجل هنا أن العروس إذا كانت من أسرة شريفة، أي من نسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تبقى داخل البوجة حتى يصعد بها إلى داخل غرفتها، فلا تنزل في الطابق السفلي من البيت.

وفي الغرفة، تجلى العروس قبل حملها من طرف الأمة إلى الناموسية، فيكشف عن وجهها الذي يكون مغطى بالكنبوش، وتشاهدها الحضارات، ويحكمن عليها وعلى جمالها، معجبات بـ “السر” الذي عليها، وقد أغلقت عينيها حياء وخجلا، وكم من عروس جريئة يكون الحكم عليها بانعدام “السر”، لكونها تتجرأ على فتح عينيها وتسرق النظرات إلى من حولها من النساء أو لكونها معروفة بوقاحتها وعدم حشمتها في المواقف التي تتطلب الحياء والخجل.

ونعود إلى العريس، فنقول، إنه أثناء عملية نقل العروس إلى بيت زوجها هذا، يكون هو قد انتقل مع الرجال إلى بيت آخر قريب من بيته، يكون لأحد الأقارب أو الجيران، حيث “يلبس”، والتلبيس هو عملية استبدال الثياب بتلك التي بعثت بها عروسته ليدخل عليها وهو غي أبهى حلة وأحسنها، ويكون العريس في هذه العملية مصحوبا بأقرب أقاربه وأعز أصدقائه، كما ينتقل معه جوق الآلة الأندلسية إلى ذلك البيت، ثم يجلس – بعد استبدال ثيابه – بين أفراد الجوق، في مجلس يطلق عليه اسم “الهنا والسرور”، حيث يصدح الآليون بصنعة يغنون فيها قولهم: “لك الهنا والسرور دائم”، وهي مراسيم خاصة، يعلن فيها عن توديعه لحياة العزوبية ودخوله في حياة الزوجية التي ينتظر له معها أن يتمتع بالسعادة التامة.

وعند الانتهاء من ذلك، يتسارع المشاغبون من أصدقاء العريس – مولاي السلطان – إلى إتيان ما شأنه أن يصده عن الدخول على عروسه، كأن يسرقوا بلغته، أو أن يحملوه على أكتافهم ويشرعوا في رفعه وإنزاله دون أن يتركوه، أو غير ذلك مما يكون معه ضحك ولهو وبسط وانشراح، وأخيرا يتغلب مولاي السلطان على مشاكسيه، وينطلق في جو مؤثر إلى بيته، وقد أحاط به “وزراؤه” وغيرهم، مرددين قولهم:

تشفع يا رسول الله فينا *** فما نرجو الشفاعة من سواك

وأسرع في إغاثتنا فإنا *** نرى المولى يسارع في رضاك

وحينما يصل الجميع إلى بيت العريس من جديد، يكون النساء قد صعدن إلى الطابق العلوي بعد استقبال العروس، فيعقد الرجال دائرة يحيطون فيها بالعريس في وسط الدار، ثم يصطفون في صف يطلق عليه اسم “الصف د الهنا”، وقد انتظموا فيه، الأقرب فالأقرب بالنسبة للعريس، ثم يمر الحاضرون على ذلك الصف، مصافحين ومعبرين عن تهنئتهم وفرحتهم بالمناسبة، داعين بأحسن الدعاء.

وهنا ينصرف الرجال، لكي يصعد العريس إلى الطابق العلوي صحبة أقرب النساء إليه، كوالدته وأخواته وأقرب قريباته من محارمه، فيصحبنه إلى الغرفة التي توجد فيها عروسه، ويدخلنه عليها، فيبارك مقدمها بوضع كفه اليمنى على جبينها، ثم يقرأ الفاتحة، ويجلس إلى جنبها بينما تخلو الغرفة من الجميع، فتكون هذه أول فرصة يتعرف فيها على شريكة حياته، فينظر إليها، ويحدثها، وهي صامتة محتشمة مغلقة العينين، وقلبها ينبض بسرعة لخطورة الموقف، ولشدة الانفعال أمام اللحظة الحاسمة التي ستتعرف فيها لأول مرة على شريك حياتها الذي سيقاسمها أفراحها وأتراحها فيما تبقى من حياتها.

وبعد فترة قد تطول أو تقصر، يشاهد فيها العريس عروسه وهي في أبهى حلة، ينادي العريس على “النكافات” وهما السيدتان اللتان رافقتاها من بيتها، للقيام بخدمتها خلال هذه الليلة واليوم الذي يليها، فتدخلان عليهما، وينسحب العريس إلى ناحية معينة، بينما تنزع النكافات الحلي الذي تزينت به العروس، كما يساعدنها على تغيير ملابسها استعدادا للنوم.

وبينما يغلق باب الغرفة على العروسين، يلجأ نساء العائلة الحاضرات في البيت إلى الجلوس في الغرفة الموالية، حيث يشربن الشاي الذي يعد خصيصا لمرافقات العروس (النكافات)، ثم يتابع الجميع السهرة ما بين غناء وطرب ودق على التعاريج وترديد الحضرة والأغاني، إلى أن يبزغ فجر اليوم الجديد.

وهنا تتسابق الحاضرات في إظهار صبرهن وتحملهن وقدرتهم على السهر مهما طال الليل، وبينما تتجلد الشابات منهن، تنصرف العجوزان والضعيفات منهن إلى أركان البيت، لتتوكأ كل منهن على وسادة تسترق عليها لحظات تحاول فيها أن تسترجع راحة جسدها المتعبـ لتواجه اليوم الجديد الذي سيتطلب منها مجهودا آخر.

العنوان: تطوان، سمات وملامح من الحياة الاجتماعية

ذ. حسناء محمد داود

منشورات مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة

(بريس تطوان)

يتبع


شاهد أيضا