عادات أهل تطوان في الزواج… أيام العرس (5) - بريس تطوان - أخبار تطوان

عادات أهل تطوان في الزواج… أيام العرس (5)

بريس تطوان

الخميس، يوم البوجة: وهذا اليوم هو أهم أيام الاحتفال بالعرس، ذلك لأنه اليوم الذي تغادر فيه العروس بيت أهلها إلى بيتها الجديد، مع زوجها وأسرته.

وفي صباح هذا اليوم، تهيئ والدة العروس ما قد أعدته من لباس للعريس وأسرته، وترسل كل ذلك إلى بيت العريس، محمولا من طرف الإماء، وقد لف في منديل ممتاز. فأما كسوة العريس قتتكون مما يلي: قميص أبيض مزين بالمسكوجة، سروال من الملف، بدعية من الملف، دامي من الملف مزين بالدرساك، جبادور، جوخة، وأما ما يهدى إلى أقاربه، فيتمثل في أقمصة من الثوب الأبيض الرفيع.

وفي الليل يكون الحفل الخاص بالرجال في بيت العريس الذي يخصص كله لاستقبالهم، بينما يخصص سطح البيت للنساء القريبات من العائلة، ويأتي الرجال المدعوون، ويشربون الشاي مع الفقاقص والحلويات، على أنغام الآلة الأندلسية الأصيلة التي يؤديها جوق من الرجال، ثم يتعشى الجميع بالكسكس والدجاج في أغلب الأحيان.

أما في بيت العروسن فتتجمع القريبات من نساء العائلة في وقت المغرب، مع الغناء والمديح، ويشربن الشاي، ثم يقدم لهم طعام العشاء: اٍز المبخر المسمن بالحم، والحليب، ثم السمك الأبيض الفاخر. فالأرز الأبيض والحليب كلاهما تفاؤلا بالبياض وعلامة على السعد الحسن، أما السمك فهو علامة على الرزق.

وقبل منتصف الليل، تزين العروس على يد الماشطة التي تلبسها وتشد رأسها وتزين عينيها بالكحل وشفتيها بالعكار الفاسي، كما تزين وجهها بالألوان على طريقة معينة تسمى “الجناح” أو “النقاط”، وتوشح صدرها بأنواع الحلي الذي يتم جمعه مسبقا من عند الأقارب، ثم تلفها في الرداء، لتجلس في غرفة صغيرة بعيدة عن العيون، حتى يحل وقت مغادرتها للبيت إلى بيت العريس.

وبعد منتصف الليل، وبعد انصراف أغلب المدعوين، وبقاء أقرب الأقارب والأصحاب، ينطلق الموكب من بيت العريس في اتجاه بيت العروس، الذي يكون قد استقبل فيه والده مدعويه من رجال العائلة وبعض الأصحاب، الذين يشربون الشاي مع الحلويات والفقاقص، ثم ينصرفون فلا يبقى منهم أيضا إلا أقرب الأقارب، وهم الذين يستقبلون الموكب الآتي من بيت العريس مصحوبا بالغياطين والطبالين وفرقة كناوة، ومعهم البوجة، التي هي عبارة عن قبة خشبية معدة بالخصوص لحمل العرائس، بداخلها مقعد للجلوس، وقد زين خارجها مسبقا من طرف الماشطة التي تقوم بعملية التزيين عشية اليوم نفسه، فتلف البوجة في الثياب الحريرية والمذهبة الرفيعة، من قطع اللماط والحزام والشنبير والمشامر والسبنية د الكتف، كما تضع على قبتها أغصان الدواح وأنواع الورود والزهور الطبيعية.

ويصل الموكب إلى بيت العروس، فيستقبله الرجال من أهلها، ويقف الجميع خارج المنزل، ويلجأ أهل العريس إلى طلب العروس، وذلك بواسطة الدق مرارا على خرصة الباب، وهم ينادون بقولهم: “اعطيوا لنا ديالنا، ما بقات شي ديالكم”، بينما يتباطأ أهل العروس في إخراجها من الدار استدلالا على أن الأمر لا يدرك بهذه السهولة، وأنه لا بد للطالبين من الصبر والتحمل، حتى ينالوا ما جاءوا في طلبه، كما أنهم يتمهلون في ذلك، حتى لا يقال بأن العروس قد سلمت لهم بمجرد طلبها، فهي “ما كانت شي عندهم وراء الباب” كما يقال.

وتوضع البوجة في وسط الدار، وينسحب الرجال، ثم تنزل العروس من الطابق العلوي للدار إلى الطابق السفلي منها، وتجلس في مكان مرموق منه، حيث يدخل والدها وإخوانها وأعمامها وأخوالها وجملة محارمها، ثم يقف والدها إلى جانبها، ويضع كفه اليمنى على جبينها، ثم يقرأ الفاتحة، تيمنا وتبركا بها، ثم يدعو لابنته بالسعادة والهناء في حياتها الجديدة.

وما أصعب ذلك الموقف الذي قد تترقرق فيه دمعات خفية على وجه الوالد وغيره من الرجال الأقارب، فضلا عن الدموع الغزيرة التي تفيض من عين والدة العروس وأخواتها وباقي نساء العائلة، اللاتي يزيد صوت الغيطة المنبعث من خارج الدار في تأثرهن، فيجهشن بالبكاء، متألمات لفراق العروس لأهلها ولفراقهم لها. وتلبس العروس السلهام الأبيض استعدادا للمغادرة، ثم تدخل في البوجة التي تحط وسط الدار، ويقفل عليها بالمفتاح الذي يسلم إلى أحد أقارب العريس من الحاضرين مع المواكب، ثم تحمل البوجة بالعروس، مع عزف الطبالين والغياطين وإيقاع كناوة، قاصدة بيت العريس، وقد خرجت مع الموكب سيدتان من أسرة العروس، وهما “النكافتان” أو الماشطتان اللتان ستتكلفان بخدمة العروس خلال تلك الليلة وفي اليوم الموالي، أي يوم الصباح، وتكون هاتان النكافتان من أقرب أقاربها، وممن لها بهما علاقة وطيدة وحميمة، حتى ترتح لهما وهي في تلك اللحظات الحاسمة من حياتها.

ويمر الموكب بمختلف شوارع المدينة، ويقصد إحدى الزوايا أو أحد المساجد، ثم يقف ببابه المغلق، وتنزل البوجة، ويدق بعض الحاضرين باب المسجد أو الزاوية دقا خفيفا متواصلا، ثم يقرأ الجميع الفاتحة، وكأنهم يزورون ذلك المكان المقدس، داعين عنده للعروسين بالتوفيق، ثم يستأنف الموكب سيره إلى أن يصل إلى دار العريس. وهناك يدخل حاملو البوجة إلى وسط الدار، فيحطونها ويخرجون جميعا، ليتركوا العروس مع النساء داخل البيت.

وفي هذه اللحظة، تتقدم والدة العريس وأخته أو من ينوب عنهما، فتخرجان العروس من البوجة، وتقدمان لها الحليب والتمر، كما تجعلان في يدها مفتاحا كبيرا، دلالة على كونها قد أصبحت تملك بيتا هو بيت الزوجية الجديد، وتحت إبطها خبزة استدلالا على أنها سترزف فيه رزقا حلالا طيبا بإذن الله.

بعد ذلك تتقدم الأمة، فتحمل العروس على ظهرها، لكي تصعد بها إلى الطابق العلوي من الدار، وتزلها في وسط غرفتها التي تكون قد امتلأت بنساء العائلة اللاتي يرحبن بالعروس وبمرافقتيها من النكافات، كل ذلك في جو من الفرحة والغناء.

العنوان: تطوان، سمات وملامح من الحياة الاجتماعية

ذ. حسناء محمد داود

منشورات مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة

(بريس تطوان)

يتبع


شاهد أيضا