ينحدر الدكتور عبد الرحمن طه[1] من أسرة نشأت بمدينة تارودانت جنوب المغرب[2]، وإن وُلد هو بمدينة الجديدة عام 1944م، وبها أنهى دراسته الابتدائية، بالموازاة مع تلقيه مبادئ العلوم الإسلامية والأخلاق على يد والده الأستاذ حميد طه رحمه الله، ليتابع دراسته الإعدادية والثانوية بمدينة الدار البيضاء، قبل أن يلتحق بعد حصوله على شهادة البكالوريا بـجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط حيث حصل على الإجازة الأولى في الفلسفة، ثم هاجر إلى فرنسا، وحصل على إجازة ثانية في الفلسفة من جامعة السوربون، ثم دكتوراه السلك الثالث سنة 1972م برسالة في موضوع:”اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود“[3]، ثم حصل على دكتوراه الدولة سنة 1985م عن أطروحته في المنطق بعنوان:”رسالة في الاستدلال الحِجَاجي والطبيعي ونماذجه“[4].
التحق طه أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس ابتداء من 1970م، أي قُبيل حصوله على شهادة دكتوراه السلك الثالث (1972م)، ولم يغادر الكلية إلا بعد تقاعده عام 2005م، بعدما قضى 35 سنة أستاذا متميزا للفلسفة والمنطق. فقد درَّس المنطق بفروعه وتوجهاته المختلفة (منطق القضايا ومنطق المحمولات ومنطق الحجاج ومنطق الحوار ومنطق أصول الفقه والمنطق الرياضي…) وفلسفة اللغة وغيرها. ودافع عن المنطق في بيئة جامعية لا توادُّ المناطقة ورسَّخ فيها تجربة فريدة في التفلسف بين قومٍ يكرهون تكثُّر القول الفلسفي.
يقرأ الأستاذ طه ويبحث بلغات متنوعة: العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية وغيرها، ويكتب الشعر والنثر، فهو الذي كان يوما ما أصغر عضو باتحاد كتاب المغرب وحصل –وهو طالب-على بعض الجوائز القيمة عن قصيدة شعرية نافس فيها الأديب الراحل محمد زفزاف، كما كانت له عضوية في كثير من المراكز العلمية والمنظمات والجمعيات والهيئات الاستشارية في الداخل والخارج، وعمل أستاذا زائرا في العديد من الجامعات العربية، مثل مصر والأردن والعراق والسودان وليبيا والجزائر، وقد فاقت شهرته الآفاق…
كتب عشرات المقالات والكتب، وشارك في ندوات ومؤتمرات علمية نوعية، في المغرب وفي بلدان عربية وأوربية، منها ندوة دولية في هولندا في موضوع الحجاج باللغة الإنجليزية، وخلالها عُين عضوا في «الجمعية العالمية للدراسات الحِجَاجية» (International Society For The Study of Argumentation)، وممثلها في المغرب، وعضوا في «المركز الأوروبي للحِجَاج»، وممثل “جمعية الفلسفة وتواصل الثقافات” التي يوجد مقرها بكولونيا في ألمانيا(Gesellschaft fürInterkulturelle Philosophie).كما ترأَّس فيما بعد منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين بالمغرب، وعمل نائبا لرئيس “الجمعية الفلسفية العربية” التي تتخذ عمًّان مقرا لها، وقد شغل أيضا منصب رئيس شرفي لـ”الجمعية المغربية للبحث في المنطق وتداخل العلوم” التي تأسست بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس سنة 1999م، وتشرفتُ يومذاك بعضويتها إذ كنت من بين المؤسسين.
مسيرة التـأليف:
بدأ عبد الرحمن طه مسيرته في التأليف في نشر مكتوباته الفلسفية بمقال تحت عنوان: “بحث في الأصول اللغوية للمقولات” منشور سنة 1974م، (وهو متضمن في كتاب سؤال المنهج)، وبعده مقال “الأصول اللغوية للفلسفة” سنة 1976م، وهو منشور أيضا بكتاب سؤال المنهج، ثم كتاب “المنطق والنحور الصوري” سنة 1983م، وبعده بسنتين نشر بحث “منطق الاستدلال الحجاجي” سنة 1985م، وكتاب “في أصول الحوار وتجديد علم الكلام” سنة 1986م، أما بحث “أعقلانية أم عقلانيات؟” سنة 1988م، (منشور ضمن فصول كتاب سؤال المنهج) فهو المقال الذي سيشكل –في نظرنا-انطلاق مرحلة جديدة في تفكير الأستاذ طه.
وفي سنة 1989م ألف كتابا سيشكل قاعدة أو جذعا مشتركا لأغلب الكتب التي صدرت فيما بعد، وهو كتاب “العمل الديني وتجديد العقل“، حيث يمكن اعتباره أصل النظرية الائتمانية، التي برزت في كتاب “الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري” ونضجت في كتاب “روح الدين“، واستوت في التطبيقات الائتمانية الموالية…
حصل الدكتور طه على مجموعة من الجوائز، منها جائزة المغرب الكبرى للعلوم الإنسانية مرتين سنة 1988م عن كتابه “أصول الحوار وتجديد علم الكلام“، وسنة 1995م عن كتابه “تجديد المنهج في تقويم التراث“، وحصل على جائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة عام 2000، عن كتابه “سؤال الأخلاق:مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية“،وجائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية في 13 يناير 2014م.
لا يخفى أن ما يتميز به المشروع الفكري والفلسفي لطه عبد الرحمن، من بين ما يتميز به، اشتغاله في واجهتين؛ واجهة التراث الإسلامي العربي وامتدادات حقوله ومدارسه ومذاهبه في الحاضر، ومناهج دراسته وتقويمه، وواجهة التراث الغربي وامتداداته المختلفة داخل الثقافة الغربية المعاصرة وخارجها. وبالإضافة إلى أن تموضعه في قلب الثقافة الإسلامية العربية لم يمنعه من الانخراط الجاد في صميم اهتمامات الفلاسفة المعاصرين ومن الحضور النقدي في قلب الإشكالات الفلسفية المعاصرة، بل والاشتباك السّجالي مع أشهر الفلاسفة والأخلاقيين في قضايا فلسفية وعلمية وأخلاقية كبيرة، وبشكل يُظهر استخدامه لنفس الآليات والمناهج والطرائق التي يستخدمها هؤلاء في إنتاج معارفهم الفلسفية.
اعتكف الأستاذ طه طيلة حياته العلمية في محراب المعرفة البنائية النقدية، وأنجز عشرات الأبحاث والمؤلفات العلمية النافعة، أبان فيها عن جرأة الموقف الفلسفي وهو ينحت مسارا معرفيا متميزا، وينتفض ضد مظاهر التقليد والتبعية الفكرية، ولا يزال مجتهدا ومبدعا إلى أن استوى صاحب رؤية فلسفية أخلاقية تضاهي كبرى الفلسفات الأخلاقية في العالم.
يُتفق مع مواقف الرجل ويُختلف، غير أنه استطاع أن يشارك باقتدار كبير في إقامة الَّدرس الفلسفي المغربي والعربي على أسس صلبة، تفيد أجيال الباحثين في استئناف عطاءاته ومراجعتها وتوسيعها، جنبا إلى جنب إسهامات أخرى لباحثين متميزين.
وإذا كانت الفلسفة بنتُ عصرها كما يقولون فإن طه فيلسوفٌ ابن عصره، تأثر بما وصله من معارف ومواقف، وانفتح على فلسفات زمانه، ومن زمانه راجع تراث أمته، واشتبك مع غيره ناظرا ومناظرا، ليستوي رمزا للمناظرة الفلسفية، يستثمر المنجز الفلسفي الراهن، وهو يستحضر مخاضات التدافع بين المدارس الفلسفية في التاريخ. ويمكن نعت طه بأنه فيلسوفٌ إسلامي عربي معاصر أصيل خطف الخطفة من روح الفلسفة كما هي متداولة بين الفلاسفة، حيث تلقَّفها تلقُّف العارف النَّاقد واستثمر تلقُّفه أيما استثمار في مراجعة وتقويم التراث الفلسفي الغربي والعربي على حدٍّ سواء.
ترتيب مؤلفاته التي أصدرها إلى حد الآن بحسب تاريخ تأليفها:
- اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود (بالفرنسية)، 1979م.
- رسالة في منطق الاستدلال الحجاجي والطبيعي ونماذجه (بالفرنسية)، 1985م.
- المنطق والنحو الصوري، 1985م.
- في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، 1987م.
- العمل الديني وتجديد العقل، 1989م.
- تجديد المنهج في تقويم التراث، 1994م.
- فقه الفلسفة. 1-الفلسفة والترجمة، 1995م.
- اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، 1998م.
- فقه الفلسفة. 2- القول الفلسفي: كتاب المفهوم والتأثيل، 1999م.
- حوارات من أجل المستقبل، 2000م.
- سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، 2000م.
- الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، 2002م.
- الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، 2005م.
- روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية،2006م.
- الحداثة والمقاومة، 2007م.
- سؤال العمل: بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم، 2012م.
- رُوح الدين: من ضيق العَلمانية إلى سعة الائتمانية، 2012م.
- الحوار أُفُقًا للفكر، 2013م.
- بُؤس الدَّهْرانية: في النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، 2014م.
- سؤال المنهج: في أفق التأسيس لأُنموذج فكري جديد، 2015م.
- شرود ما بعد الدهرانية: النقد الائتماني للخروج من الأخلاق، 2016م.
- من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، 2016م.
- دين الحياء: من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني: 1- أصول النظر الائتماني، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، 2017م.
- دين الحياء. من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني: 2- التحديات الأخلاقية لثورة الإعلام والاتصال، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، 2017م.
- دين الحياء. من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني: 3- روح الحجاب، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، 2017م.
- سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، 2017م.
- ثُـغور المـُـرابَطة: مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية، 2018م.
- المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعَـلْمانية: 1-المفاهيم الائتمانية، 2020م
- المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعَـلْمانية: 2-المفاهيم العلمانية، 2020م
- التأسيس الائتماني لعلم المقاصد، 2022م.
- سؤال السيرة الفلسفية: بحث في حقيقة التفلسف الائتمانية، 2023م.
مقتطف من كتاب “فلسفة العقل عند طه عبد الرحمن” لأحمد الفراك
[1] – الاسم الشخصي هو عبد الرحمن والاسم العائلي هو طه.
[2]– ذَكر هذه المعلومة الأستاذ طه بنفسه لما صحبته في زيارة إلى مدينة تارودانت سنة 2014م، عقب المؤتمر الدولي الأول الذي احتضنته جامعة ابن زهر بمدينة أكادير يومي 26- 27 فبراير 2014م.
[3] – Taha, Abderrahmane. Langage et philosophie: essai sur les structures linguistiques de l’ontologie, Imprimerie de Fèdala, Janvier 1979
[4] – Taha, Abderrahmane. Essai sur les logiques des raisonnements argumentatifs et naturels, Thèse de Doctorat d’état es-lettres et sciences humaines, Paris IV, 1985.